صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/204

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

هاوقد كان العمل اليدوى خلوا من الفطنة والخبرة الفنية في مصانع القرن التاسع عشر ، وكان العمال اليدويون هم الكثرة الغالبة بين أجراء الصناعة يزيد عددهم على عشرة أمثال الحذاق من الخبراء ومساعديهم الفنيين ، فتطورت الصناعة ولا تزال تتطور حتى اختلفت النسبة بينهم أبعد اختلاف ، وأصبح العمل اليدوى أقل الأعمال في المصانع الكبرى وما يصاحبها من المصانع الصغيرة وأجهزة الصناعة في البيوت والمكاتب وأندية الفن ومعاهد التجارة وحقوق الزراعة ، وتلاحقت الدرجات من أعلى وظائف الهندسة والفن الى أدناها فاشتملت على طبقات مشتبكة الأطراف يصعب التمييز بينها والفصل بين مصالحها عند تسيز الطبقات على النحو القديم .

وكل تطور ينمو بالمجتمع نحو التقارب في الطبقات والتشابك في المصالح والحقوق فهو خطوة ثابتة تنمو به نحو الاستقرار والحرية ، فلا يتأتى في مثل هذا المجتمع أن تسطو فئة منه على الفئات الأخـرى ولا هي بحاجة الى ذلك تلح عليها فتحرضها على السطو والثورة . اذ كان معظم أسباب السخط والتمرد ينجم من الهوة الفاصلة فئة وفئة أو من الظلم الواضح في تقسيم الأقدار والأرزاق ، وما من داع الى الطغيان والاستبداد بالأمر في مجتمع تقل فيه الفواصل وتكثر الروابط ويرجع فيه تفاوت الأقدار والأرزاق الى الدراية بالعمل النافع للجميع ولا يرجع الى التقاليد المبرمة والحواجز المفروضة بغير فارق معقول .

فالتعاون بين الطبقـات هو التطور الملازم للصناعة الكبرى ، ولا استقرار قبل بلوغ ذلك الطور الذي يستعصى فيه على طبقة من الطبقات أن تستيد بغيرها ، ولا مفر من الاستبداد في تساب فيه احدى الفئات وتجور على اها

٢٠٠