صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/200

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

أفريقية في أقدم عهودها ، فاذا صدق ظنهم لقد كانت هذه القارة أول من سبق الصفوف ، وكانت حركتها أعظم من أن يقاس بها مسير الحضارة من مبدئها الى منتهاها اليوم في عصر الذرة والطائرة الفلكية . ولقد تكون لها في العد خطوة جديدة تضارع في نسبة الزمن خطواتها الأولى .

***

أما القارة الأسيوية فهى كالبرزخ بين أفريقية وسائر القارات ، كانت تقرن بأفريقية فتشملان مقاما يطلق عليه الشرق على سبيل التجوز أو من باب التسمية السياسية التي لا تنقيد بالحدود الجغرافية ، لأن هـذا الشرق كان يخضع لحكم الأجنبي تارة وللامتيازات الأجنبية تارة أخرى . فكان نحو خمسمائة مليون من الهنود والأندونسيين وأبناء الجنـوب الشرقي في آسيا يخضعون لحكومات أوروبية ، وكان نحو خمسمائة مليون آخرين في الصين وما حولها يخضعون لامتيازات دولية تمتزج فيها سيطرة السياسة بسيطرة الاقتصاد . ولكن آسيا اليوم لها شـأن أفريقية في علاقة الشرق بالدول الكبرى ، وتكاد أن تكون قد فرغت من قضية الحرية والسيادة بينها وبين تلك الدول وتقدمت الى الفصل في قضايا الحرية والسيادة بينها وبين حكامها أبنائها . ، فارتبطت هذه القضايا المعقدة بأشتات من قضايا النظم الاجتماعية ومسائل المعيشة وحقوق الرعايا المحكومين وسلطات الرعاة الحاكمين . وهذه هي القضايا التي تجعلها برزخا بين الأمس والغد كما جعلتها برزخا بين أفريقية وسائر القارات ، فهي من ناحية تنظر الى الغد لتعالج مشكلات المعيشة والحكم على أضواء العلم الحديث والحضارة الصناعية ، وهي من غير هـذه الناحية تنظر الى ماضيها الذي أخرج للعالم في جميع القارات عقائده وأديانه وقدم له شرائع بوذا وكنفشيوس كما قدم له شرائع موسى وعيسى


١٩٦