صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/194

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

من هذا الجاه باختلاف القرى واختلاف الآداب والعلاقات بين أهلها ، فيستطيع في قرية ما يعجز عنه في قرية غيرها ، وقد يصبح الجاه ضريبة في عنقه يؤديها لمن يحترم جاهه ويقبل مكانته بين عشيرته ، وقد يصبح ولا جاه له بينهم اذا عرفوا كيف يستغنون عن تجارته وكيف يتبادلون البيع والشراء بينهم على سنة التعاون وتكافؤ المنافع والصفقات . وان هذه الأحوال العامة في القرية لهى من معدن الأحوال العامة في الدنيـا العريضة بما رحبت ، ولعلها هي هي بعد تكبير الأحجام وامتداد المسافات والأقوام ، والأعوام .. وقد كانت الدولة العظيمة قبل مائة سنة تسيطر - كتاجر القرية – على أسـواق الدنيا وتكسب بعدتها وعتادها جـاها يتيح لها أن تسخر شعوبها تسخير الأرقاء ، وأن تستفيد من حاجاتهم اليها ما يستفيده التاجر من حاجات العملاء . فأصبحت الدولة العظيمة وهي اليوم عاجزة عما كانت تقدر عليه قبل مائة سنة ، وقبل عشرين سنة ، وتغيرت أمور كثيرة في الدنيا قبل أن يتم هذا التغيير : بعض هذه الأمور الكثيرة أن الدولة العظيمة أصبحت دولا عظاما تتنافس فيما بينها وتحد كل منها من ارادة غيرها كما تحد غيرها من قدرتها ، وبعض هذه الأمور الكثيرة أن القابضين على أزمة الدولة في داخلها تغيروا وتغيرت مصالحهم في حكم أنفسهم وحكم الشعوب التي دخلت في حوزتهم ، وبعض هذه الأمور الكثيرة أن السيادة على الشعوب بالقوة والقسوة أصبحت من الصفقات الخاسرة التي تزيد كلفتها على غنيمتها ، وبعض هذه الأمور الكثيرة أن المغلوبين عرفوا حقوقهم وعرفوا حاجة الغالبين اليهم وعرفوا بينهم روابط من الشكاية المشتركة والمقاومة المشتركة لم تكن معروفة لأسلافهم . وجملة هذه الأمور تجيز لنا أن نوازن بين عوامل التضامن العالمي وعوامل الفرقة والشقاق فلا نبالغ اذا قلنا : ان الأولى راجحة على

۱۹۰