صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/181

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الذي لا جدال فيه ان الحضارات العالمية جميعا لم تنشأ في قطر من أقطار الشمال ، وان أعظم هذه الحضارات قد نشأ في الجنوب على شواطيء البحر الأبيض المتوسط . وبعضها قد نشأ في الشرق الأقصى بين الشعوب الصفراء أو في البلاد البابلية والفارسية والهندية ، وهي متعددة العناصر والأجناس . وقد ظهر من اختلاف العادات والتقاليد أنها لا ترجع في أساسها الى اختلاف أصيل في التكوين وأن الناس قد يخجلون من بعض الأمور ولا يتفقون على تلك الأمور في كل أمة ولا في كل زمن . وا . ولكن شعور الخجل موجود بينهم جميعا وان كان بعضهم يخجل من شيء وبعضهم يحسبه من المألوفات التي لا ضير فيها . فلا يمكن أن يقال أجل هذا ان هذه الأمة تعرف الأخلاق وتحترمها وان تلك الأمة تجهلها ولا تكترث لها . فمثل هذا يحدث في اختلاف الأطعمة على حسب المواقع الجغرافية والمحاصيل الزراعية ، فتعيش جماعة من الناس على لحـوم الصيد والماشية وتعيش جماعة أخرى على لحوم الأسماك ويعيش غيرها على النبات وقد يحرم أكل الحيوان ، ويتناول غيرهم جميع هذه الأطعمة حسبما يتيسر منها لديهم ، ولا يقال من أجل ذلك ان هذه الأمة تعرف الجهاز الهضمي وتلك الأمة لا تعرفه ، ولا يقـال من أجله ان تكوين المعدات والأجسام في أساسه مختلف لا يقبل التغير والتطور ، وربما حدثت من تنوع مواد الغذاء قابليات جسدية محسوسة الأثر ، بل ربما حدث لجماعة الجماعات المتعددة أن تصاب بالمرض من أكلة تسيعها جماعة أخرى وتنتفع بها ، ثم يقف الأمر عند ذلك ولا يعدوه الى التفرقة بين هذه الجماعات في أصول التركيب وفي أجهزة الجسم ووظائف الجوارح والأعضاء ، وعلى الجملة يحق لنا بعد تجارب العلم الحديث في هذه السنين أن نردد قول شاعرنا أنهم جميعا أسرة واحدة « أبوهم م - ١٢ القرن العشرون ۱۷۷