صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/158

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

يصلح لها من زاد تسيغه ، ولم تعقم بديهة التدين ولا يبدو أن العالم اليوم أقل ايمانا مما كان في زمن من الأزمنة الخالية ، ولا أن النفوس تطمئن في زماننا الى شكوك التعطيل التي كانت تقلقها وتحيرها قبل عصر العلم الحديث ، وانما موضع النظـر أن المرتابين من الأقدمين كانوا يهجرون دينا ليدخلوا في دين يتلوه ، وكانوا يرتابون وينتظرون النبوءات لجلاء شكوكهم واستلهام عقائدهم . فماذا ينتظر المرتابون في عصر العلم الحديث ؟ هل ينتظرون نبوءة جديدة تأتيهم بدين جديد ?

قد يكون في المرتابين من أبناء العصر من تخامره هذه الفكرة ، فهو في مرد أمره سواء ومن يبحث عن عقيدته على هدى بصيرته وعقله . لأن المهم في مشكلته أن يشعر بالحاجة الى العقيدة وأن يعلم أنهـا معرفة صدقت شريفة لا يمنعها العلم الصحيح ولا يعارضها التفكير السليم . ومن طويته على هذه النية فهو قريب من معتقده الذي يهتدى اليه ببديهته وتفكيره ، وليس أقرب من الملتقى بين العقائد الالهية اذا خلصت الى جوهرها وصفيت من أخلاط الوثنية وقشور التقاليد.

ولا ننسى عمل « الشخصية الانسانية » في الهداية الروحية . فان العقيدة تظل معنى من المعاني يحوم عليه الذهن كما يحوم على حقائق الرياضة والحكمة ما لم تتمثل في « شخصية » محبوبة موقرة تنقلها الى الحياة بما تبعثه الثقة وتوجيه من القداسة التي تقرب السماء الأرض وتعقد الصلة بين الحياة الأبدية التي لا حدود لها وبين هـذا العالم المحدود .

كذلك كانت رسالة الأنبياء ، وكذلك تكون الرسالة من الهـداة المصلحين الذين يترسمون آثار الأنبياء في دعواتهم الى الخير والكمال . وسيأتي اليوم القـريب الذي يكون فيه العلم معـوانا ميسرا لذوى

١٥٤