انتقل إلى المحتوى

صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/157

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

ثم يرجع الى مكانه من النهر الذي خرج منه وينفلت من كل جدول من الماء ينقل اليه غير الجدول الذي ولد فيه ، ومثله ثعبان الماء الذي يخرج من الأنهار عند نضجه ويتجه الى البحر المحيط عند جزائر معلومة يضع ذريته في شواطئها ثم يموت فتعود هذه الذرية الى مواضع الماء العذب التي نزح منها آباؤها ، ولم يحدث قط أن ثعبانا منها يصاد في أوربة اذا كان موطنه الأول في الأمواه الأمريكية أو يصاد في أمريكا اذا كان موطنه الأول في أمواه القارة الأوربية.

ويذكر الأستاذ من تلك المشاهدات عوامل الوراثة في الناسـلات والصبغيات ، فان هذه الناسلات والصبغيات التي يتولد منها نوع الانسان كله توضع في جوزة صغيرة ومنها تنبت جميع الخصائص الموزعة في الذكور والاناث من جميع بني الانسان ، فكيف تكمن عوامل الوراثة كلها في ذلك الحيز الصغير لتحفظ الكل فرد من الناس أخفى ما استدق من صفاته ووظائف حياته وتركيب أعضائه وخلاياه على ما فيها من ودائع لا يدركها الاحصاء ؟

وقد عرض المؤلف لغير ذلك من الأمثلة العلمية التي يفسرها المنكرون بكلمة لا معنى لها كالغريزة أو المصادفة ويفضل عليها المؤمنون تفسير القصد والحكمة في تدبير أحوال الوجود ، ويطلبون ممن يرفض هذا التفسير دليلا على رفضه أقوى من الدليل على قبـوله ، فلا يسمع منهم دليل .

ولا يخفى أن آراء العلماء والفلاسفة انما هي سند للإيمان الديني يعززه ولا يخلقه ما لم يكن له قرار في بديهة الانسان . فهذه البديهة تسعی سعيها وتتلمس طريقها في هذا العصر كما تلمسته فيما غير من عصور التاريخ ، وستعمل ما تستطيعه وتتزود من العلم والفلسفة بما


١٥٣