صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/146

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

والكرامة . ولا حرج على متدين أن يبقى على دينه الموروث ويستصفى منه جوهره المبرأ من غواشي الخرافة ونفايات التقليد ، فإن الأديان تتوحد بالجوهر وتتفرق بتلك الغواشي والنفايات ، ولا مبالاة بالقشور التي تعلق بلباب الدين حيث يقوى ضمير الفرد الحر على التخلص منها وحيث تتمكن عوامل الوحدة الانسانية من التغلب عليها فتبقيها متسامحة أو تنفيها متجافية ، ولا تسمح لها على الحالين أن تعوقها عن قبلتها.

وحسب القرن العشرين حصة من الحرية الفكرية أنه أطلق الفكر من عقاله الذي حاكه لنفسه بيديه . فانه وصل بالعـلم الى ما وراء المادة المحسوسة فلم يجد هنالك خرافة من خرافات العجائز ولا أسطورة من أساطير الأولين ، بل وجد الأصل الأصيل لكل موجود مشهود أو غير مشهود ، فاستباح لنفسه أن يبحث ويتطلع ويطرق الأبواب التي تطرق للافضاء الى ما وراء المادة والفضاء ، ومنها أبواب الفلسفة وأبواب العقيدة ، وكانت هذه من قيود نفسه أنفع له من كل حـرية استفادها من ثورته على رجال الدولة أو رجال الدين ، اذ كانت حريته المستفادة ثورته على غيره لا تحميه أن يتعثر في سعيه الى الحقيقة وهو يضع العراقيل بيديه أمام خطواته ، ويحسب أنه يصون كرامته بالاحجام عما وراء المادة ووراء التجربة المادية ، فيما استأثر به قبل ذلك دعاة العقيدة وأصحاب الفلسفة المثالية . ونحسب أن الثمرة الأولى من ثمرات هذه الحرية « الذاتية » قد ظهرت ولم تزل تمعن في الظهور في أواخر القرن الماضي الى منتصف القرن الحاضر ، وبدا من طوالعها أن تتمشى العقول في طريق واحد على تعدد الميادين التي تسلكها ، فليس بينها اليوم ذلك التقاطع المقرر منذ ١٤٢