صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/144

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

ان الشوق الى الايمان من أقوى أشواق النفس الانسانية ، شوق متصل بحب الحياة وحب المعرفة وحب الجمال . احب الكمال . وحسبنا منه أنه شوق يعيننا على اليأس ويمنحنا الأمل ويجعل للحيـاة معنى يتصل بالدوام . وليس المتشككون أضعف الناس حظا هذا الشوق المتأصل الحب في أعماق النفس البشرية ، فانهم كالعاشق القلق المستريب حظه أعمق من حظ الخلي الذي يسقط الحب من حسابه فلا يعنيه أن يثق ولا أن يشك ولا أن يستريح من قلق يساوره وخواء يشعر به ولا يرتضيه. هؤلاء المتشككون في هذا العصر يحارون بين شك يحيك بضمائرهم وشوق محتبس لا يجد سبيلا الى الانطلاق ، وفضيلة القرن العشرين في أمر هؤلاء المتشككين أنه فتح أمامهم هذا السبيل وفسح لهم مجـال النظر في الغيبيات وحقائق الوجود من وراء الحواس والعقول : كان العلم يخجلهم من هذه الغيبيات كما يخجلهم من الأوهام التي انقضى زمانها بانقضاء الخرافات بل بانقضاء الفلسفة التي تخوض في ظنون لا تقع تحت الحس ولا تقبلها العقول ، فأصبح العلم أقرب الى هذه النسيات من المخرفين والمتفلسفين ، وحقت عليه الكلمة مقدماته التي لا يملك الرجوع عنها اذا ملك الفيلسوف أو صاحب الظن أن يرجع عما يشاء من الفروض والأظانين . 140 . وفضيلة القرن العشرين بعبارة أخرى أن العقل البشري إذا اشتاق فيه الى الامان استطاع أن يطلبه ولم يخجل من طلبه ، وأنه يطلبه مع العالم والفيلسوف والمتصوف والمؤمن بدينه ، ولا يطلبه متخاذلا متنابذا بداری سره من علانيته ويستر جانبا من تفكيره للكيلا يطلع عليه جانب آخر يعارضه أو يزدريه .