صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/143

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

يرسله الى الدماغ أثرا كالذي ينشأ في داخل الدماغ أثناء اشتغاله بالتأمل أو بالروية أو بالأعمال الفنية والعلمية ، وكل أولئك من التجارب اللازمة في هذه الدراسة الطريفة التي لم تسبق لها سابقة من نوعها قبل القرن العشرين . بيد أننا لا نحتاج الى الانتظار الطويل لنعلم أن العامل المهم في التفكير شيء غير الحجم والمقـدار ، وان المخ لا تنقص معلوماته ومحفوظاته بنقصان جزء منه يستأصله الجراح في بضع لحظات ، ولسنا نريد أن نسبق السنوات فضلا عن الأجيال والقرون ، ولكننا نستبعد منذ الآن أن يجيء اليوم الذي يستطاع فيه تكييف المخ بالأشعة المرسلة اليه من الخارج ليعرف لغة . اللغات أو قضية من قضايا الفلسفة أو درسا من دروس الكيمياء والجغرافية والرياضة ، أو ليكسب ملكة . النظم والتصوير والتمثيل وما نحا نحوها من الفنون . وغاية المستطاع - على ما نعتقد – - أن الباحثون في تسجيل اشـعاع المخ بالرسوم الكهربية وادراك دلالتها على نشاط المخ أو كسله وعلى رجحانه أو نقصه، وربما نجحوا كذلك في تنشيطه وتنبيه قدرته وحضه على عمله وتمييز ذلك العمل الذي يحض على أدائه . أما أن تنقل الأشعة الى المخ فكرة لم يبتدعها ولم يستعد لها بتكوينه وتربيته فليس ذلك بالمستطاع ولاء مما تنبئنا عنه أوائل البحث كما بدرت لنا حتى الآن . ملكات وأيا ما كان مآل هذه البحوث بعد زمن قريب أو بعيد فليس من الممكن أن نرجع بعمل المخ الى حركة أكثف من مادة الشعاع في الأثير ، وذلك شوط في تنزيه الملتقى بين الجسد والفكر لم يحلم به الفيلسوف الذي قنع بالغدة الصنوبرية ملتقى بينهما في تكوين الدماغ وجعـل التفكير أساس البراهين على صدق وجود الانسان ووجود الاله . ۱۳۹