صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/141

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

النظر فيما وراء المادة فضولا يوشك أن يخل بكرامة العلماء ويخرج بهم من نطاق العلوم . فالنظرة المجردة اليوم نظرة اضطرارية لا اختيار فيها للعالم الذي كان يظن أنه في حل من تركها بل يظن أنه مطالب بالابتعاد عنها ، فليس العقل العلمي اليوم محيص من النظر المجرد الى أصول الموجودات وهو هذه الموجودات المادية ، وليس « ما وراء المادة » في قائم في صميم القرن العشرين عالما سحيقا يوغل فيه بالظن والخيال ، بل هو عالمه الذي یشاهده بالعين وينتهى اليه بالتجربة ويفكر فيه ويتخيله على اضطرار بعد انتهائه بالحس الى غاية مداه ، وقد كان الفرض الرياضي عند علماء التجربة العملية حيلة موقوتة يسمح بها معضيا عنها في انتظار الوصول الى الحل المأمول ، وكانت النقطة الهندسية لغزا علميا من ألغاز الرياضة التي تشبه الألعاب التي يقبلها من يقبلها ريثما يصل الى الجد المفيد في التطبيقات العملية : قل أيها الرياضي الحريص على تعريفاته العزيزة كيفما شئت ان النقطة شيء ليس بشيء وبعد تمتد منه جميع الأبعاد ولا طول له ولا عمق ولا ارتفاع ، فما دمنا نبنى و نهندس و نحسب في عالم الأبعاد والمسافات فلا بأس علينا من فروضك وألغازك في فراغ الأوهـام . غير أن الرياضي المولع بتعريفاته الأولية يعود اليوم فيسأل علماء التجربة والعمل أن ينتهوا بتجاربهم الى شيء في الفضاء يختلف في ادراك العقول والحواس عن النقطة الهندسية فلا يحيرون جوابا ولا يحسبون أفلتوا قيد شعرة من المادة الى فراغ الأوهام ، كل ما نلمسه ونحسه أنهم و نراه و تعقله ان هو الا حركة في الأثير ، وكل ما نعرفه من الأثير انه فضاء لا ندري ما الذي يتحرك فيه وما معنى الحركة فيه من هنا أو هناك. ۱۳۷