صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/132

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الأذهان والطوايا الخفية : يحتوى من جراثيم التكوين كل ما توزع من الملكات والأخلاق في أكثر من ألفي مليون من أبناء الأمم الأحياء يتوارثون ملكاتهم وأخلاقهم من اضعاف هذه الملايين في مئات القرون ، فماذا بقى من معنى الامتداد القديم ? وأين مسافات الفضاء أو مسافات الزمن في هذه المقاييس والمقادير ؟ وأين يذهب بنا التجريد المفروض وراء هذه الخفايا التي لا تؤخذ باليد ولا بالفكر الا مع التسليم والاعتراف في النهاية بالعجز والقصور ، واذا كان جزء من ثلاثة آلاف مليون جزء محتواة في فنجان صغير يحفظ جرثومة الطبائع والأفكار والأعضاء في انسان عظیم أو صغير فماذا بقي من المعجزات للذين يتحدثون عما وراء الطبيعـة وما وراء المادة وما وراء العقل والعيان ? وأين هو الفاصل القائم الذي للمادي الفخور بماديته أن يقول لخصمه : أنا مادى ألمس الحقيقة وأنت خيالي تطير وراء المحال ؟

زعم فيثاغوراس قبل خمسة وعشرين قرنا أن الوجود كله قوامه من عدد ونعم ، أو أن الوجود كله بعدده ونغمـه يقوم على النسب الموسيقية ولم يذكر فيثاغوراس شيئا عن الموجودات المعدودة ، فهو يذكر العدد ولا يعنيه أمر المعدودات كأنه يقدم العدد في الاعتبار ويجعـل النسبة الموسيقية بين الأعداد أصلا تتبعه الفروع ، وسمع بهذا الرأي الفلسفي كاتب يعرف الكيمياء معرفة الصيدلي الماهر ، ويشتغل بالدراسات العلمية الحديثة ولا سيما مذهب النسبية في شعبتها الخاصة وشعبتها العامة . فما كاد الكاتب الصيدلي يصفى الى ذلك الرأي الفلسفي حتى صاح محتقا : ما هذا اللغو السخيف ؟ ۱۳۸