ولا تحوجه الى فهم حقيقتها وراء النظر واللمس ووراء صدمة الواقع المقرر بغير جدال ولا امعان في الخيال .
ولكن ما هي تلك « المجردات » التي يتحدث عنها غير الماديين ؟ وهم لا نراه ، خيال لا نعقله ، فروض لا تبرأ من النقائض وضروب المحـال .
ثم وصف علماء المادة وفلاسفتها هذه المادة التي لا تجريد فيها فاذا هم يعيدون فيها ما قاله الروحانيون عن المجردات . فما يقوله الماديون عن سر المادة انما هو وهم لا يرى وخيال لا يعقل ونقائض من الفروض في التفسير الواحد ، ودع عنك غيره من التفسيرات
كانت مادة الأقدمين معدنا للكثافة والغلظة ، وضدا لمعنى الصفاء والتجريد ، لأنها من معدن يناقض النور السماوي في بساطته ولطفه ونزاهة مكانه ، فأصبح قوامها كله من النور المحض يتساوى أكثفها وألطفها كما يتساوى أثقلها وأخفها في استمداد هذا القوام من ينبوعه الأصيل ، وكلما ثقل وزنها كان هذا الثقـل عنوانا لوفرة نصيبها من النورانية أو من الشعاع المنطلق بلاجثمان .
وكانت مادة المحدثين حقيقة واقعة مأخوذة في اليدين ، يعدون من
غريب القول أن يسأل السائل هل هي مفهومة أو غير مفهومة ، لأنها أظهر
وأثبت أن يصل الأمر فيها الى الفهم بالذهن المجرد وهي قائمة أمامنا
بألوانها وأحجامها وأجرامها الصلدة التي تصـدم الأكف والأقدام ،
فأصبحت هذه الحقيقة الواقعة المأخوذة باليدين شيئا يدق عن ادراك
العقول ويبلغ من الدقة غاية ما يبلغ الروح المجرد في خفائه وصفائه ، فكل
هذه الأجسام الكثيفة انما هي ذرات صغار لا تدركها العيون ولا يدركها
١٢٦