انتقل إلى المحتوى

صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/130

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.

ولا تحوجه الى فهم حقيقتها وراء النظر واللمس ووراء صدمة الواقع المقرر بغير جدال ولا امعان في الخيال .

ولكن ما هي تلك « المجردات » التي يتحدث عنها غير الماديين ؟ وهم لا نراه ، خيال لا نعقله ، فروض لا تبرأ من النقائض وضروب المحـال .

ثم وصف علماء المادة وفلاسفتها هذه المادة التي لا تجريد فيها فاذا هم يعيدون فيها ما قاله الروحانيون عن المجردات . فما يقوله الماديون عن سر المادة انما هو وهم لا يرى وخيال لا يعقل ونقائض من الفروض في التفسير الواحد ، ودع عنك غيره من التفسيرات

* * *

كانت مادة الأقدمين معدنا للكثافة والغلظة ، وضدا لمعنى الصفاء والتجريد ، لأنها من معدن يناقض النور السماوي في بساطته ولطفه ونزاهة مكانه ، فأصبح قوامها كله من النور المحض يتساوى أكثفها وألطفها كما يتساوى أثقلها وأخفها في استمداد هذا القوام من ينبوعه الأصيل ، وكلما ثقل وزنها كان هذا الثقـل عنوانا لوفرة نصيبها من النورانية أو من الشعاع المنطلق بلاجثمان .


وكانت مادة المحدثين حقيقة واقعة مأخوذة في اليدين ، يعدون من غريب القول أن يسأل السائل هل هي مفهومة أو غير مفهومة ، لأنها أظهر وأثبت أن يصل الأمر فيها الى الفهم بالذهن المجرد وهي قائمة أمامنا بألوانها وأحجامها وأجرامها الصلدة التي تصـدم الأكف والأقدام ، فأصبحت هذه الحقيقة الواقعة المأخوذة باليدين شيئا يدق عن ادراك العقول ويبلغ من الدقة غاية ما يبلغ الروح المجرد في خفائه وصفائه ، فكل هذه الأجسام الكثيفة انما هي ذرات صغار لا تدركها العيون ولا يدركها

١٢٦