صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/129

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

للمادة التي يحدها المكان والزمان ويثبتها العيان وما يؤيده من حواس الأنسـان ثم جاءت المادية الحديثة قبيل القرن العشرين فأنكرت جميع المجردات ولم تثبت شيئا غير الأجسام كيفما كانت في تراكيبها التي تدركها الحواس أو تكشفها أدوات الرصد والتحليل . وسمى العصر الحديث – بين أسمائه الكثيرة – باسم العصر المادي أو عصر الماديات على اطلاقها ، وجعلوا يطلقون الماديات على كل شيء يطلبه الجسد ويستمتع به الحس ولا يتجرد عن « الجسدية » على حال من الأحوال . ولقد حسب الكثيرون أن هذه « المادية » خليقة أن تقضى على نظرة التجريد قضاءها الميرم الذي لا رجعة لها بعده ، وان الذي بقي من نظرات التجريد بعد فلسفة الواقعيين وفلسفة العقليين وشيك أن يذهب ذهابه الأخير في ايان عصر المادة الحديث ، فكلما استغرق الباحث في النظرة المادية فهو مبتعد بحكم الضرورة عن نظرات التجريد ، ابتعـاد النقيض من النقيض وغير هذا هو الذي حدث ويحدث مع توالى الكشوف عن أسرار المادة وعناصر الأجسام ومآل هذه العناصر في النهاية ونشأتها قبل أن تتعدد وتبلغ العشرات فلم يعرف الناس نظرة التجريد كما عرفوها في هذا « الزمن » الغارق في ماديته كما يقال . كان الفيلسوف المادي – والعالم المادي معا في منتصف القرن التاسع عشر يعلن الايمان بالمادة دون غيرها لأنه يحسب أن وجودها هو الوجود الثابت بغير برهان ، وأنها تملأ عيانه وتصـدم يديه وقدميه ۱۳۵