صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/128

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الا على اعتباره وجودا واحدا تمتزج فيه الروح والجسد ولا يلزم من اختلافهما أن ينفصلا عنصرين متناقضين ، فلا تنفـرد الروح بالبقـاء ولا يمتنع على الجسد أن يبقى ملازما لها أو منفصلا عنها الى حين .

ثم انقضى عصر الفلسفات القديمة واتخذت التفرقة بين النظرة المادية والنظرة المجردة مناهج شتى في العصور الوسطى بين الفلاسفة المستقلين والفلاسفة المفسرين لأصحاب الآراء الخالية . فانقسم هؤلاء جميعا الى قسمين متناقضين : قسم الواقعيين وقسم الاسميين ، وأطلق «الواقعيون» على الذين يحصرون الوجود في الأفراد المحسوسة ، وأطلق «الاسميون» على الذين يقولون بوجود النوع مستقلا عن الفرد بكيان غير محسوس . فالواقعيون يقولون بوجود هذه الشجرة وتلك الشجرة وكل شجرة يرونها أو يلمسونها ويحسونها على نحو من الاحساس الجسـداني . ولكنهم يرون أن « الشجر » كلمة تقال لتدل على جنس الأشجار في جملتها واسم لا وجود له في الخارج غير وجود مسمياته المتفرقة . وعلى نقيض هؤلاء « الاسميون » الذين يقولون بأن « النوع » هو الموجود الحقيقى وأن الأفراد المحسوسة انما هي محاكاة ظاهرية تحاول أن تمثل ذلك الوجود العام على صورة من صور الوجود الخاصة التي تدركها الحواس ، وجاء بعد الواقعيين والاسميين أناس مثلهم في هذه التفرقة بين النظرة المادية والنظرة المجردة ولكن على أسلوب آخر : هؤلاء هم الحسيون العقليون يقابلهم المثاليون المنطقيون ، فلا وجود عند الحسيين العقليين لتلك الأمثلة العليا والحقائق الغيبية التي يؤمن بها المثاليون المنطقيون ويستدلون عليها ببراهين المنطق وأدلة القياس ، وانما الوجود الحق ۱۳۴