صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/126

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

تؤمن عاقبتها في أجزائه المترامية ، على ما بينها من تباعد في المكان وتباين في المصالح والأهواء ، ولا يحدث هذا في العالم بغير تضامن « واقعی » بين أجزائه ، كائنا ما كان سببه وكيفما اختلف النظر اليه في دساتير الأخـلاق . فاذا قبل ان هذا التضامن ضرورة غير مقصودة ، لأسباب غير محمودة ، ففي ذلك مصداق للحكمة التي تفوق ارادة الانسان وتسوقه في تاريخه مرحلة بعد مرحلة وهو جاهل بما يساق اليه . ونعود فنقول ان الانسان لم يصنع الآلة وهو يقصد الى جميع فوائدها وعواقبها ، وانه قد يقصدها سلاح حرب فلا تلبث أن تصير على غير قصد منه دعامة سلام ، وقد هذا كثيرا في تاريخ الانسان الفرد وتاريخ الانسان الاجتماعي ، ولكنه أصبح من ذلك في تاريخه العالمي أو تاريخ هذا التضامن العالمي في الزمن الأخير ، فما كانت منافع المواصلات لتقود الانسان الى اتقان الطيران هذا الاتقان لولا فعله في الغارات والحروب ، وما كانت أمانة العلم لتفلح وحدها في شق الذرة وابداع الأقمار الصناعية واطلاق الصواريخ وتركيب سفن الفضاء ، وما كانت خصائص المادة وأسرار العناصر والأجسام لتنكشف العلماء وتنقاد للمخترعين لو لم يكن منها سلاح ووقاء وخوف من عدو أو عزم على اعتداء ، فليست هذه الروائع العلمية مما يتاح للعلماء وينقـاد للمخترعين بغير القناطير المقنطرة من الذهب ، وليس اتفاق القناطير المقنطرة مما تتحمله شركات البيع والشراء أو تنفتح له خزائن الأغنياء ، أو يأذن به ولاة الأمر والنهي اذا انكشف عنه الغطاء ۱۲۲ .