صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/125

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

اذن لتاريخ « الآلة » كل الملازمة : تطورها مقيـاس صادق لتواريخ الحضارات والفوارق المحمودة – أو غير المحمودة - التي تميز بعضها من بعض . وترتقى الآلة البسيطة الى المكنة الضخمة فيكون ارتقاؤها في المجتمعات المتقدمة مظهرا عاما من مظاهر التوازن بين طوائفها ووسائل نفوذها واقتدارها على تبليغ صوتها وتقرير حقها ، فاذا ظهرت الصناعة الكبرى في مجتمع لم يستوف تكوينه الاجتماعي ولم تتوازن فيه القوى والمصالح فهي خليقة أن تتدارك هذا النقص وأن تخلق هذا التوازن مع الزمن وتخلق معه أسباب التعاون بين الطبقات وأسباب التغلب على كل على الأخرى . طغيان من احداها

ان أثر الآلة في حضارة الانسان الاجتماعي لا يقل عن أثرها في ثقافة الانسان الفرد أو في قياس الفارق بينه وبين الحيوان . ولا يقل عن هذين الأثرين البارزين أثرها في حياته العالمية : حياة النوع الانساني على تباعد أقطاره وتفاوت أقوامه وتنازع القوى بين حكوماته وشعوبه . فقد ولد العالم بعلاقاته المشتبكة يوم ولدت المطبعـة والاذاعة والباخرة والطيارة ، وتقررت مبادىء التضامن العالمي عملا في هذا العصر من عصور الصناعة بعد أن طالت دعوة المصلحين اليه وترددت كلمـة « النوع الانساني » بغير معنى أو بمعناها المصطلح عليه في الألسـنة والأوراق ، ومهما يقل القائلون في قيمة هذا التضامن الحديث فليس هو اليوم بالحبر على الورق ولا بالصدى الذاهب بين الألسنة والأسماع : ان العالم الانساني اليوم أوسع نطاقا أن تحكمه أكبر دولة وأوثق أن تهمل فيه أصغر دولة ، وما من كارثة في جزء من أجزائه اتصالا