صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/124

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

فالمكنة الضخمة التي تشق المجتمعات وتقطع الصلة بين طبقاتها تعود فتعقد هذه الصلة وتملأ الفجوة بين كل طبقة وما يليها ممن هم فوقها ومن هم دونها في العلم والعمل والذكاء والمعيشة ، ومن آثارها في مناح كثيرة أنها تقارب بين دواعي الاتصال والتعاون وتباعد بين دواعي القطيعة والبغضاء ، وتتقارب هذه الدواعي اضطرارا كما تتقارب اختيارا بما يناسبها من الآداب والأخلاق . فاذا امتنع التوازن في المجتمعات التي يسيطر عليها أصحاب الأموال أو يسيطر عليها أصحاب الأعمال اليدوية فلا بد من التوازن في المجتمعات التي يملك فيها الأوساط سلاحا كسلاح الأغنياء المحتكرين للثروة أو سلاحا كسلاح العمال اليدويين القادرين على تعطيل الأعمال أو على التهديد بالاضراب . اذ يستطيع هؤلاء الأوساط أن يجردوا سلاحا كسلاح أصحاب الأموال لأنهـم يحتلون مراكز الادارة الهندسية والاقتصادية ، ويستطيعون أن يجردوا سلاحا كسلاح العمال اليدويين لأنهم يملكون التعطيل ويملكون التهـديد بالاضراب ، وليس من اليسير أن يستبد أصحاب الأموال أو يستبد العمال اليدويون متى قامت في المجتمع طبقة وسطى بين الطبقتين لهـا مسموع ووسيلة الى اسماع صوتها واثبات حقها ورفع و من أدناها ، وأبعد ما يكون المجتمع عن استبداد العلية حسوت أعلاها أو استبداد الجماهير اذا امتدت فيه طبقاته الوسطى امتدادا يتغلغل بها في الطبقتين ممن هم أعلى منها ومن هم دونها ، ويحاول من يريد التفرقة هنا أو هناك أن يضع الخط الفاصل حيث ينقطع الشبه بين الجانبين فيعييه الفصل الحاسم على وجه من الوجوه .

  • * *

فتاريخ الانسان الاجتماعي ، أو تاريخ الانسان في الحضارة ، ملازم