صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/122

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

هذا ولا ريب أن الطغيان من الأدنى بغيض وخيم العاقبة كالطغيان من الأعلى أو أبغض وأوخم في عقباه البعيدة أو القريبة ، ولكنه ضرورة لا محيد عنها اذا كان هو الوسيلة التي لا وسيلة سواها لانقاذ الملايين من مراغة الضيم والاهمال ، وانه ليهون خطبه على فداحته اذا بدا من ورائه أمل في زواله وتلطيف جرائره بعد الاستفادة منه في كبح طغيان الأقوياء على الضعفاء - وعند « المكنة الضخمة » ترياق العلة التي جلبتها ، ومنها يكون الدواء كما كان منها الداء . ان المكنات الضخام لا تبقى طويلا على الصورة التي عهدها الناس منها لأول نشأتها . لقد كانت لأول نشأتها تحتاج الى مهندس واحد يفهم تركيبها ويحسن ادارتها ويعتمد في تنظيم عملها واصلاح خللهـا على الذكاء والدراية العلمية ، وقد يعاونه على ادارتها مساعدون قليلون - بل جد قليلين – يتعلمون مثل تعليمه ويفهمون مثل فهمه ، ولا حاجة بعد المهنـدس ومساعديه الى معونة غير المعونة اليدوية التي يتساوى فيها الذكاء والغباء ويتكرر فيها العمل الواحـد على أيدي المنـات والألوف كما تتكرر أعمال الآلات انسان واحد وألف آلة ، ولا فرق في ذلك بين نوع ونوع من المكنات الضخام التي قامت عليها الصناعة الكبرى منذ أواسط القرن التاسع عشر، الى العقود الأولى من القرن العشرين - ان عهد هذه المكنة ينقضى في كل أمـة من الأمم التي نهجت على سياسة التصنيع وذهبت تتدرج في تعميم الصناعة الكبرى ، وسيصبح « الآدميون الآلات » نمطا عتيقا لا نفع له بعد شيوع التنويع في المكنات ۱۱۸