صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/120

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

في دور واحـد من أدوارها أن فوائدها المقصورة لا تستقصى جميع فوائدها ، وان الصناعات التي يتقنها الانسان للحرب لا تلبث أن تدخل في عداد الصناعات التي يقوم عليها السلم ويقوم عليها العمران ، ومن المشكوك فيه أن الصناعة كانت تتقن تطريق الحديد وتلبيته على درجات من المرونة والمضاء لو لم تعمل على اتقال السيوف والحراب والدروع - فان آلات الحرث والحفر تصنع بغير حاجة الى الامعان في أساليب التطريق والتليين ، ولكن معالجة الحديد قد أغنت في صناعات السلم والعمران فوق غنائها في صناعات القتال والتدمير . ولما نشأت صناعات البخار والكهرباء ظهر للآلات أثر جديد لم يكن منه بد لترقية الاجتماع ولم تكن اليه وسيلة بغير « المكنة الضخمة » التي جاء بها الى التاريخ عصر البخار والكهرباء ، وهي تلك « الأداة الجهنمية » أو « تلك الأداة الشيطانية » كما وسمها الحكماء ، بمعزل عن حكمة التاريخ - لقد كان بناء الصناعة الكبرى على المكنات الضخام مظهرا من مظاهر التوازن في المجتمع بين أصحاب الثروة الزراعية وأصحاب الثروة المعدنية وأصحاب الثروة التجارية ، وكان قيام هذه الصناعة الكبرى دليلا على تكافؤ القوى بين أصحاب الضياع وأصحاب المعامل وأصحاب المتاجر والأسواق ، ثم جاءت المكنة الضخمة بقوة جديدة لم تكن تعرف نفسها ولم يكن أحد يعرفها ، ولم يكن لها – لو عرفت من سبيل الى اسماع صوتها ، فقد جمعت المكنة الضخمة مئات الصناع وألوفهم في صعيد واحد ، وكان اجتماعهم بهذا العدد في رابطة واحدة عدة حية تعتمد عليها الصناعات في انتظامها وتوفير انتاجها . فتم التوازن الاجتماعي حيث اجتمعت هذه القوة للطوائف التي كان من السهل ظلمها ومن ۱۱۶ .