صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/116

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

أو حديثة تنحصر منافعها في حدود الغاية التي تستخدم لها وتخترع من أجلها ، وما من حكمة انسانية يمكن أن تنحصر فيها تلك المنافع أو يمكن أن تستوعب مقدماتها ونتائجها من النظرة الأولى كانت الآلة الأولى صخرة أو فرعا من فروع الشجر وسيلة لاصابة الصيد أو اتقاء السباع الضارية ، وهذ هي فائدتها التي تدركها حكمة الانسان ويعمل على طلبها - ولكن الفائدة غير المقصودة من استخدام الصخرة أو فرع الشجرة أكبر جدا من هذه الفائدة التي تكفل له البقاء وحماية النفس بين الأعداء ، لأنها فائدة تنقدم به وتزيد في قدرته وتنمى ملكاته وتنقله الحيوانية الى الانسانية وتخطو به الخطوة التي يقف عندها الحيوان فلا يتقدم ويبتدىء منها الانسان فيبلغ ما هو بالغه اليوم من تمييز وامتياز - فاستخدام الآلة في رأى العلماء جميعا هو الذي جعل اليدين في الانسان أتم وأقدر من اليدين في ذوات الأربع ، وهو الذي شحـذ العلاقة الفكرية والمادية بين الدماغ وسائر أعضاء الجسـد وحواسه ، ولا اختلاف بين الباحثين في علم الانسان على ذلك ، وانما يختلفون في التقديم والتأخير بين سير الانسان على قدميه منتصب القامة وبين ارتقاء دماغه وابتدائه في التفكير . فمن العلماء من دری أن الانسان ارتقى فكرا ، فهداه التفكير الى استخدام الآلة واكتسب المرونة الجسدية والفكرية من توفيقـه بين الأغراض والمجهودات التي يستخدم من أجلهـا الآلات ، ويرى علماء آخرون أنه استوى قائما على قدميه واستطاع أن يمشى معتدل القامة فتمكن من استخدام الآلة واستعمال اليدين في حملها وتصريفها وتسديدها الى غاياتها ، وتعلم من ذلك كيف يوفق بين حركات الجسم وهداية الدماغ ۱۱۲