صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/115

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

وعلى هذا النمط قضى عقل الانسان قضاءه في الآلة منذ خرج بها من عداد العجماوات وامتاز بها بين عامة الأحياء وهو لا یدری بهذه المزية . فلو كان في مقدور نوع الانسان أن يدير لنفسه على مدى القرون لما ارتضى الآلة تدبيرا له يقدر له منافعه ونتائجه قبل عشرات الألوف السنين ، ويثابر على رضاه مستزيدا من خطاه شاعرا باقترابه في كل مرسوم يريده ويصبر على عثراته لعلمه بما وراءها من هدف خطوة من نهاية مطلوبة وأمنية مبتغاة كلا ، ان نوع الانسان كان خليقا أن يحكم على الآلة في كل مرحلة من مراحل تاريخها كأنها – على أحسن ما تكون – ضرورة مكروهة بلجئه اليها ما هو أكره منها ، ويعتمد عليها لأنه مسوق اليها ، يرميها من يده قبل استخدامها لو استطاع ، ولا عليها معها – الى أن يلقيها من يده بعد الفراغ منها . كما هو -

- وجملة القول ان تاريخ الآلة عند الانسان ينتهى الى تاريخ شيء محتقر أو مكروه ، ولكننا اذا نظرنا اليها نظرا يحيط بالنوع الانساني منذ نشأته الى هذه السنوات الأخيرة وما سيليها من السنوات اللاحقة فقد يسفر هذا النظر عن حقيقين يقل الخلاف عليهما وهما : ( أولا ) ان الآلة صاحبت تقدم الانسان فردا وجماعة وكانت مقياسا لدرجات الحضارة عند أممه عصرا بعد عصر و وفى العصور ، فهي على الجملة مقياس الفارق بينه وبين الحيوان الأعجم في أعلى أنواعه وأقربها اليه . والحقيقة الثانية أن منافع الآلة غير المقصودة لا تقل عن منافعها المقصودة التي تدخل في تدبير الفرد أو الجماعة ، فما من آلة قديمـة