صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/109

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

الى نتيجة واحدة ، وهي ارتباط تاريخ الآلة بتاريخ الانسان وحضارته وتفكيره وسائر مزاياه التي ميزته عامة الأحياء أعلاها وأدناها على السواء . فالانسان حیوان صـانع للآلات كما قال بنيامين فرنكلين في تعريفه الجامع المانع لهذا الحيوان الناطق بما ينطوي عليه معنى النطق ملكة واستعداد ، ومن قال ان الآلة ميزت الانسان بين أنواع الحيوان، فله أن يقول ان الآلة صنعت الانسان . قلنا في كتابنا عن فرنكلين : « ان تعریف فرنكلين للانسان في الحقيقة أصدق تعريف له وأوفاه بالشرط الجامع المانع في التعريف . فما من فارق بين الانسان والحيوان أوضح وأثبت من قدرة الانسان على صنع الآلة واستخدامها ، وهذه القدرة هي المقصودة بتعريف فرنكلين لا وجه للاعتراض عليها بتفاوت الناس فيها ، فليس الاعتراض الصالح على تعريف الانسان بالحيوان الناطق أن بعض الناس لا ينطقون ولا يفكرون ، وأن بعضهم يولدون بكما أو مجانين ، وليس من الاعتراض الصالح على تعريف الانسان بالحيوان الاجتماعي أن يشذ بعض الناس ويتأبد في الخلاء وينفر من الاجتماع ، ولكن العبرة من هذه القصة أوسع وأدق من أن يحيط بها تعليق واحد ، وكفى منها هنا أن تبرز قدرة العقل العلمي المطبوع على التعريف واقامة الحدود والفوارق ، وأن تبرز تلك الرابطة الوثيقة في طبيعة فرنكلين بين الانسانية وصنع الآلات.. » هذه الرابطة الوثيقة بين قصة الآلة وتاريخ الحضارة الانسانية ، أو تاريخ نوع الانسان في تطوره وارتقائه ، هي مدار العبرة الخالدة ومظهر الحكمة الالهية في ذلك التاريخ ، وأدعى الأمور الى اظهار هذه الحكمة أن نذكر أن الآلة قد فرضت على الانسان اضطرارا كما تفرض الأخطار والنكبات ، وأن تذكر من آراء الناس فيها قديما وحديثا كيف 1+0