صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/108

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

حضـارة ولم تكن له حيـاة اجتماعية ، أو فردية ، تختلف كثيرا عن حياة الحيوان . ان الحيوانات في جملتها عاجزة عن استخدام الآلة على أبسط ما تكون في حالتها البدائية ، عاجزة عن استخدامها دفعة واحدة على فترات متقطعة ، وعاجزة عن مواصلة استخدامها من باب أولى . فليس في وسع الحصان مثلا – أن يقذف حجرا أو يحمل عصا أو يحرك شيئا بواسطة الوسائط غير أعضاء جسده وقد تستطيع الحيوانات العليا – كالقردة – أن تقذف بالحجر أو تحمل العصا من فروع الشجر ، وربما استطاعت أن تحرك بها شيئا بعيدا عنها اذا شاهدت أمامها من يفعل ذلك فعمدت الى محاكاته وهي لا تدري ما تفعل ، أو تدريه ولا تبتدئه من عندها عن روية وتفكير ولكنها . سواء درت أو لم تدر عاجزة عن مواصلة الانتفاع بالآلة البسيطة من الحجر أو من فروع الشجر ، لأنها تحتاج الى يديها لتمشى عليها ، ولا تقوى على استخدام الرجلين والاكتفاء بهما في حركة المشي خطوة واحدة اذا انتقلت من مكانها فاستخدام الآلة وانتصاب قامة الانسان أمران متلازمان ، واستقامة الانسان في وقوفه ومشيه هي الفاصل الواضح بين أطوار الحياتين : أطوار الحياة الانسانية وأطوار الحياة الحيوانية . شی وبين انتصاب القامة وصلاح اليدين للعمل المتواصل المتعدد ملازمة ظاهرة في تكوين بنية الانسان ، وتكوين دماغه وارتباط الحركة اليدوية بالحركة الفكرية في أعماله - - ولا يهمنا أن يقال في هذا السياق ان الانسان ارتقى لأنه صنع الآلة أو أنه صنع الآلة لأنه ارتقى ، فكلا القولين يفيد شيئا واحدا وينتهى