صفحة:القرن العشرون ما كان وما سيكون (1951) - العقاد.pdf/110

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

نظر اليها الهداة من الفلاسفة والقديسين ، فانهم لم ينظروا اليها قط نظرة المختار الذي يحمدها ويتمناها لأبناء نوعه ، ولم يكن في أقوال الفلاسفة والقديسين عنها ما يدل على أنها من تدبير نوع الانسان لنفسه ، وانما هي من تدبير آخر غير تدبير النوع الانساني ، يساق اليه حينا على ما يريد وأحيانا على غير ما يريد .

.. فمنذ القدم جعلت الآلة رمزا للتسخير وفقدان الارادة ، ولحق بها في هـذا الاعتبار من يعمـل بالآلة ومن يصنعها . فالعاملون بالآلات مسخرون والذين يصنعونها مسخرون ، وكلهم تجـردهم الآلة من انسانيتهم ، وهي في منشئها مزية الانسان على عامة الأحياء . یا ولما تخيل الناس الأرباب على صورة البشر تخيلوا الرب الذي يصنع الآلات دميما ممسوخا أعرج شائه المنظـر يتقبله الأرباب في عليـاء « الأوليمب » على مضض ويهمون بطرده من سمائهم أنفة جلوسه الى جوارهم ، ولم يصبروا عليه الا لحاجتهم اليه . هو « هيفستوس » الحداد كما عرف في ملاحم اليونان الأقدمين، أيضا « ملسيبر » الذي عاشت قصته بهذا الاسم في الآداب الأوربية الى العصور الحديثة ، وقال فيه ملتون ان زيوس رب الأرباب قذف به من السماء : « فظل يهوى من الصباح الى وقت الظهيرة ، ومن الظهيرة الى المساء الندى ، نهار صیف کامل ، هبط بعده عند مغرب الشمس كالنجم المنقض من السمت الى جزيرة بحر ايجه : لمنوس » . وفي قصة أخرى من قصص « هومر » ان أمه هي التي قذفت به من سمائها بعد مولده ، لأنها استقيحته وعافت منظره فنبذته خجـلا من الظهور به بين الأرباب . وقد هبط به الشعراء المتأخرون من « اوليمب » ذلك ا