۳۲ وكانت في جزيرة العرب ممالك أقوى من هذه الممالك الصغيرة قامت في جنوبها وشمالها فجمعت في وقت واحد بين أسوأ أنواع الحكم المطلق وحكم الإقطاع ، ولم تعرف شيئاً من الديمقراطية العملية ولا من الديمقراطية النظرية التي تقوم على الاعتراف بحقوق الرعية آحاداً وجماعات . أما حكم الحجاز حيث ظهرت الدعوة المحمدية فقد كان على نظام المشيخة الأرستقراطية يتقسمه زعماء القبائل بين حامل لواء ، أو محكم في قضاء . أو متكفل بحجابة الكعبة أو بالسقاية والرفادة في الحج ، إلى غير ذلك من مهام السيادة والرياسة ، فكانت الحكومة في جملتها مزيجاً من الثيوقراطية والأوليجاركية ، ولم تكن على شبه بالديمقراطية في معنى من معانيها العملية أو النظرية . ا وقد ود بعضهم لو ارتقى عرشاً في حماية قياصرة الروم كما ارتقى غيره العروش في حماية الأكاسرة ، فذهب عثمان بن الحويرث بن أسد ابن عبد العزى بن قصى إلى القسطنطينية ووفد علي قيصر فأحسن وفادته ، فرغبه عثمان في إلحاق مكة بدولته وأغراه « بأن تكون مكة زيادة في ملكه كما ملك كسرى صنعاء » ، واستجاب قيصر لدعوته وكتب له یا كتاباً إلى عظماء قريش على أن يكون ملكاً عليهم في طاعة دولة الروم ، ثم جمع عثمان رؤساء معشره وزين لهم العمل بأمر قيصر قائلا ً : « يا قوم . ببلاده وما تصيبون من التجارة في كنفه ، إن قيصر قد علمتم أنكم وقد ملكنى عليكم وأنا ابن عمكم وأحدكم ، وإنما آخذ منكم الحراب