صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/83

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٧٧-

ولم ينبس أحدنا ببنت شفة في ما بقي من تلك الليلة؛ لأن اللوعة إذا عظمت تصير خرساء، فبقينا ساكتين جامدين كعموديْ رخام قَبَرَهما الزلزال في التراب، ولم يعد أحدنا يريد أن يسمع الآخر متكلمًا؛ لأن خيوط قلبينا قد وَهَتْ حتى صار التنهُّد دون الكلام يقطعها.

انتصف الليل، ونمت رهبة السكوت، وطلع القمر ناقصًا من وراء صنين، وبان بين النجوم كوجه ميت شاحب غارق في المساند السوداء بين شموع ضئيلة تحيط بنعشه، وظهر لبنان كشيخ لوت ظهره الأعوام وأناخت هيكله الأحزان وهجر أجفانه الرقاد، فبات يساهر الدجى ويترقّب الفجر، كملك مخلوع جالس على رماد عرشه بين خرائب قصره. إن الجبال والأشجار والأنهار تتبدل هيئاتها ومظاهرها بتقلُّب الحالات والأزمنة، مثلما تتغير ملامح وجه الإنسان بتغيُّر أفكاره وعواطفه؛ فشجرة الحور، التي تتعالى في النهار