صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/39

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٣٣-

3

شجرة فبانت بثوبها الأبيض كواحدة من عرائس الخيال تخفر ذلك المكان، فدنوت منها صامتًا وجلست بقربها جلوس مجوسي متهيب أمام النار المقدسة، ولما حاولت الكلام وجدت لساني منعقدًا وشفتيَّ جامدتين، فاستأنست بالسكوت؛ لأن الشعور العميق غير المتناهي يفقد شيئًا من خاصته المعنوية عندما يتجسَّم بالألفاظ المحدودة، ولكنني شعرت بأن سلمى كانت تسمع في السكينة مناجاة قلبي المتواصلة، وتشاهد في عيني أشباح نفسي المرتعشة.

وبعد هنيهة خرج فارس كرامة إلى الحديقة، ومشى نحونا مرحِّبًا بي كعادته، باسطًا يده إليَّ كأنه يريد أن يبارك بها ذلك السر الخفي الذي يربط روحي بروح ابنته، ثم قال مبتسمًا: هلمَّا يا ولديَّ إلى العشاء فالطعام ينتظرنا. فقمنا وتبعناه وسلمى تنظر إليَّ من وراء أجفان مكحولة بالرقة والانعطاف، كأن لفظة «يا ولديَّ» قد أيقظت في