صفحة:الأجنحة المتكسرة (1912) - جبران خليل جبران.pdf/20

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-١٤-

بأطراف أصابعه جبهته العالية المكللة بشعر أبيض كالثلج، كأنه يريد أن يسترجع إلى ذاكرته صورة شيء قديم مفقود، ثم ابتسم ابتسامة سرور وانعطاف واقترب مني قائلًا «أنت ابن صديق حبيب قديم صرفت ربيع العمر برفقته، فما أعظم فرحي بمرآك! وكم أنا مشتاق إلى لقاء أبيك بشخصك»

فتأثرت لكلامه، وشعرت بجاذب خفي يدنيني إليه بطمأنينة، مثلما تقود الغريزة العصفور إلى وكره قبيل مجيء العاصفة. ولما جلسنا أخذ يقصُّ علينا أحاديث صداقته لوالدي، متذكرًا أيام الشباب التي صرفها بقربه، تاليًا على مسامعنا أخبار أعوام قضت، فكفّنها الدهر بقلبه وقَبَرَها في صدره … إن الشيوخ يرجعون بالفكر إلى أيام شبابهم رجوع الغريب المشتاق إلى مسقط رأسه، ويميلون إلى سرد حكايات الصبا ميل الشاعر إلى تنغيم أبلغ قصائده، فهم يعيشون بالروح في زوايا الماضي الغابر؛ لأن الحاضر لا يمر بهم ولا يلتفت