صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/97

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ۹۷ –

وبما أنهم اضحوا لا يبالون بالمنافع الشخصية ولا يعلمون للرحمة والعاطفة معنى فانهم يتمسكون بدائرة القانون نفسها غير ناظرين الى الأحوال الخصوصية، ولذلك لا يذكر المحامون أمامهم أدلة مصدرها العاطفة بل يحاولون أن يؤثروا فيهم ببراهين العقل، فدقائق القانون هي التي تستولى عليهم من كل الوجوه، ولا يخلو ذلك من خطر، لأن قاعدة الحقوق التي تكون عند وضعها صائبة لا تلبث أن تصبح غير صائبة بفعل تطور الأمور الاجتماعي، ووقتئذ يجب تأويلها على وجه موافق لمقتضى الحال كما يفعل بعض القضاة في أحكامهم التي هي فاتحة التشريع، على هذه الطريقة صارت المبارزة جنحة بعد أن كانت جناية، وكذلك زناء الأزواج الذي كان جناية يعاقب فاعلها بالسجن سنين طويلة أصبح جنحة خفيفة.

ظهر مما تقدم أن آراء بعض الرجال المتعلمين المتصفين بمزية الانصاف والمتجردين عن الهوى تكون في الغالب مختلة، وهذا ما يؤيد بياننا القائل إن العقل وحده لم يكف لتنوير بصائرهم وتثقيف أذهانهم.

وإذا لم تنظر الى تلك الصفوة بل الى الاجتماعات كالمجالس النيابية التي يكون أعضاؤها في الغالب سائرين وراء مصالحهم الشخصية وحرصهم السياسي نرى أنه لا شأن للعقل في مقرراتهم، حتى إنهم لا يستمعون أحيانا الى ما يمليه العقل من براهين وهم لا يقترعون الا على ما توحيه اليهم منافع احزابهم أو مآرب منتخبيهم.

أجل، إنه يستشهد بالعقل في المجالس النيابية، غير أن العقل هو أقل العوامل تأثيراً فيها، ويعلم نوادر الزعماء الذين يستطيعون أحيانا أن يغيروا اقتراع احـد الاجتماعات السياسية أنهم لا يؤثرون بالمعقول في السامعين بل بتحريكهم مشاعر هؤلاء ويستعينون على ذلك ببضع صيغ لها ما لآيات الدين من التأثير.

٤ – شأن العقل في تكوين الآراء اليومية

تبين لنـا ما للعقل من الشأن الضئيل في مقررات صفوة الرجال وأحكامهم ، وشأن العقل يكون أقل من ذلك في تكوين الآراء اليومية، إذ إننا بالحقيقة نرى

( ٧ ) – الآراء