صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/95

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
– ٩٥ –

ولكن اذا كان العقل لا يكفى لاصلاح آرائنا فبأي شيء نبصر الحقيقة في عالم السياسة والاخلاق والاجتماع ؟ سأبين في الفصل الآتى أنه ليس عندنا لادراك ذلك سوى طريقة واحدة أعنى التجربة ، فلنبحث الآن عن الشأن الذي عُزى الى العقل ،

٣ – شأن العقل في تكوين الآراء والاحكام المهمة

تأثير العقل كبير في جميع الآراء العلمية والفنية . وأما خطأ علماء النفس والفلاسفة فمناشيء عن اعتقادهم أن للعقل مثل ذلك التأثير في الآراء العادية ، وقد زعم زعماء الأحزاب الخياليون أنهم يستندون إلى العقل في تكوين آرائهم ، حتى ان رجال المهد نصبوا له تمثالا و بأسمه يسن فرسان البيان في الوقت الحاضر النظم والقوانين .

غير ان الاختبار يثبت ان تأثير العقل قليل لا في حياة الشعوب وحدها بل في سيرنا اليومي وقد أشار ( تاين ) الى ذلك فقال : « لو احتجنا الى الاعتقاد أن الآلهة هي التماسيح لأقمنا للتماسيح معبداً في ميدان كاروسيل»

وعندى أنه يظهر إقامة هذا المعبد كتيبة من الأساتذة والمحامين الماهرين لتبرر بناءه بأدلة وبراهين عقلية ، فالعقل يذعن على الدوام لأكثر اندفاعاتنا العاطفية والدينية المخالفة للصواب كي يزكيها .

والواقع هو أن الآراء اليومية تتكون مستقلة عن كل عقل وقد لا تكون ضد العقل ، وبما أننا نسترسل في اندفاعاتنا العاطفية والدينية التي توجب تلك الآراء فإننا نتخيل أن الآراء المذكورة صحيحة ولا نسمح لأحد بأن يسفهها ، ثم لو كان العقل سبب آرائنا الحقيقي لما بدا من جميع الناس سوى رأى واحد في كل موضوع ولكان الأمر كما في القضايا العلمية المسلم بها لا كما في النظريات العالمية التي ليست سوى تفاسير بمليها المنطق العقلي أحيانا بتأثير المنطق الديني أو المنطق العاطفي .

وكلما ابتعدنا منطقة العلم الخالص أي كلما مررنا من دائرة المعرفة لندخل في دائرة المعتقد يزيد الاختلاف بين الآراء في جميع المواضيع ، وقد يبدو هـذا الاختلاف في المسائل التي يلوح أن العقل هو المسيطر عليها كالأحكام القضائية مثلاً