صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/92

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ۹۲ –

اللاشعور، ويحملنا الوهم العاطفى أحيانا على الاعتقاد بأننا نحب أناسا وأشياء لا يهمنا بالحقيقة أمرها، ويجعلنا هذا الوهم نعتقد أيضا دوام مشاعر لا بد من اختفائها بفعل تطورنا الشخصي.

بهـذه الأوهام نحيا وهي التي تزوق لنا الطريق المؤدية الى الفناء الأبدي، ولا نأسف على كونه يندر تحليلها، فالعقل لا يحللها من غير أن يقضى على بواعث الحركة فينا، والعوامل التي تشل الارادة تكثر عند البحث عن علل الارادة، وحينئذ يغوص المرء في بحر من التناقض والتردد، كتبت مدام ( دوستائيل ) : « ان الاطلاع على كل شيء و إدراك كل شيء يؤديان الى التذبذب ». فلو وجد ذكاء له ما نعزوه الى الآلهة من قدرة على إدراك الحال والمستقبل في لحظة واحدة لمـا اهتم باى أمر ولبطلت بواعث سيره الى الأبد.

يظهر لنا بعد بيان ما تقدم أن الوهم هو ركن حياة الأفراد والشعوب الحقيقي وأنه هو الذي يمكن أن يعتمد عليه وحده، ومع ذلك فان كتب الفلسفة تغفل عنه أحيانا.

٦ - الضرورة

يوجد فوق أهواء المشترعين الذين لا يفتأون يسنون القوانين في سبيل اصلاح المجتمع سيد قاهر أعنى : الضرورة، فالضرورة – وهي لا تبالى بتأملاتنا – تمثـل القدر القديم الذي كانت الآلهة نفسها مكرهة على الخضوع له.

والاختلاف بين أوامر المشترعين العمى وبين الضرورة المسيطرة على الأشياء يزيد كل يوم، ومع هذا الاختلاف نرى أن المجتمع الفرنسوي يعيش على رغم قوانينه لا بقوانينه.

والمشترعون لظنهم أنهم قادرون على عمل كل شيء لا يبقى ما هو غير ممكن في نظرهم، فيكفى عندهم أن يكون الشيء مسـديداً ليكون ممكنا، ولكن الضرورة لا تلبث أن تبدد بيدها الحديدية جميع أوهامهم وخيالاتهم، ونرى في التدابير القاسية التي أملتها الضرورة في اوستراليا ضد الاعتصابات المهددة لحياة تلك البلاد والمؤدية