صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/89

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
-۸٩-

في زمان اضطر فيه الى التسليم بجميع مطاليبهم ، ثم قال : « إن سبب هذا الاعتصاب هو بضعة محرضين التجأوا في تحريضهم إلى إقامة الوعيد والسب والشتم مكان الدليل والبرهان » ، ولو كان عند ذلك المدير اطلاع كافٍ على سنن النفس لعلم أن إبطال تلقين اولئك المحركين يتم باخراجهم من الشركة ، فالتلقين لا يقاوم إلا بالتلقين ، ولا يؤدى الإذعان لما يقترحه الزعماء سوى زيادة نفوذهم.

۲ – الانطباعات الاولى

الانطباعات الأولى هي أول ما يشعر به المرء عند مصاقبته اول مرة ما جهله سابقًا من رجل أو حادثة أو شيء آخر ، وحيث أن التدقيق في الأمر متعب شاق فان الناس يكتفون على العموم بالانطباعات الأولى .

والانطباعات في بعض عناصر الحياة الاجتماعية تسير أحياناً هي والبرهان ، ولكن يوجد عناصر أخرى تظل فيها انطباعاتنا الأولى وحدها دليلاً ، ونعد من هذه العناصر الفنون والآداب على الخصوص ، ولما كانت الانطباعات تابعة لمشاعر متبدلة فان ما تولدهُ في النفوس من صور وآراء يتحول بسهولة ، وهذا هو سر اختلافها باختلاف الأزمنة والاشخاص والشعوب ، فالانطباعات الأولى التي تورثها الاشياء نفسها في أمير اقطاعي أوأسقف من أشياع ( كالفين ) أو رجل متعلم أو عامي أو عالم لا تكون واحدة ، وأما مسائل العلم التي لا تأثير للعاطفة فيها فانه قلما يشاهد فيها مثل هذا الاختلاف ، وعلة ذلك كون أقوالنا ومبادئنا فيها لا تتم بتأثير الانطباعات الأولى .

وأحيانًا تزول الانطباعات الأولى بغتةً بتأثير انطباعات أخرى مناقضة لها ، ولكنها قد تكون قوية لا تتلاشي الا شيئًا فشيئًا بفعل البلى والدثور

و يقتضى اعتبار الانطباعات الأولى دلائل مبهمة وعلائم غير صحيحة يجب نقدها والبحث عن حقيقتها على الدوام ، والا فان عدم تمحيصها - كما يفعل الناس في الغالب – يؤدى الى وقوع المرء في الضلال مدة حياته ، ذلك لأنه ليس لهـا دعامة تستند اليها سوى العواطف والكراهة الغريزية التي لا يرشدها أي عقل ولأن مبادئنا