صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/88

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.
-۸۸-

في المذهب الصوفي الداعي إلى عدم المبالاة بالنجاة الأبدية وبالاعمال . وقد بلغ تأثيرها فيه مبلغًا جعله يعرض ذلك المذهب على مؤتمر من الاساقفة برآسة ( بوسويه ) الذي لم يلبث أن اكتشف تلقين ( مدام كو يون ) للحبر المشار اليه فقال : « أنصاع مبهوتاً من رؤيتي امرأةً ذات بصيرة محدودة قليلة الفضل كثيرةَ الوهم تؤثر في رجل ذي روح عالية . » غير أن الذين يطلعون على التاريخ الحديث لا يعتريهم الدهش كما اعترى ( بوسويه ) لأن كثيراً من الحوادث (كمسئلة هومبرت ومسئلة دوبرى دولاماهيري الخ ) أثبتت لهم أن عدداً كبيراً من الصيارفة الماهرين والمحامين القديرين والقادة المدبرين تركوا ثروتهم بين أيدي أناس محتالين معدودين من الرُقاة المشعوذين .

وما الشعوذة سوى نوع من التقلين ، والانسان يعانى أمرها كما يعانى الطير شعوذة الثعبان ، ومما لا ريب فيه أن بعض الناس النادرين يؤثرون في الحيوان بما يتخذونه من ضروب الرقية كما يشاهد ذلك مربو الحيوانات ، وما أكثر الجرائم التي اقتُرفت بفعل الشعوذة والرقية ، فما لقيت كونتة ( تارنوسكا ) صعوبة في جعل عشاقها يقتلون رجالا كثيراً ، وقد أصبحت من النفوذ والتأثير بحيث كان يجب تبديل فرسانها وحرس سجنها تبديلا مستمراً .

و يوجد شبه بين الأمثلة المذكورة و بين أعمال الوسطاء أو الدراويش الذين يحيط فيجعلونهم يعتقدون أموراً لا أساس لها . على هذا الوجه ذهب كثير من مشاهير العداء ضحية تلقين الوسيطة المشهورة المسماة ( اوزابيا ) كما سأبين ذلك في فصل آخر .

وبما أن شأن الجماعات يزيد بالتدريج وكان التلقين هو المؤثر فيها فان نفوذ الزعماء يعظم يوماً فيوماً ، وما الحكومات الشعبية إلا حكومات بعض زعماء يتجلى استبدادهم في كل آن ، لأن الزعماء هم الذين يأمرون بالاعتصابات ويكرهون الوزراء على إطاعتهم ويسببون وضع قوانين عقيمة مخالفة للعقل والصواب .

قدرة الزعماء على التلقين كبيرة جداً، وبها يرغمون الجموع على الخضوع والانقياد، فلقد بين مدير شركة ( اورليان ) في عيد هذه الشركة السنوى أن موظفيها اعتصبوا