صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/86

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٨٦ –

ولا يقتصر أمر المنفعة على تكوين الآراء بل إنها بعد أن تستفزها الاحتياجات تضعف أدب الانسان وحسن سيرته ، فالقاضي الذي يطمع في الرقى والجراحي الذي

يعمل عملية جراحية لا تفيد والمحامي الذي يزيد الدعوى تعقيداً تنحط أخلاقهم أكثر من ذي قبل عند ما يحرك احتياجُهم الى النفائس منفعتهم .

وشأن المنفعة الادبية هو كشأن المنفعة المادية في تكوين الآراء ، فاذا أوردنا عزة النفس المكلومة مثلا ترى أنها تولد أحقاداً شديدة وما ينشأ عن هذه الاحقاد من آراء ، فمصدر حقد أبناء الطبقة الوسطى على الأشراف وانتقامهم منهم أيام الثورة الفرنسوية هو على الخصوص ازدراء هؤلاء لاولئك في العهد السابق ، ولو أدرك ( مارا ) – الذي انتقم لنفسه من سادته السابقين – و ( هبرت ) – الذي أوجب قطع كثير من الرؤوس بعد أن كان ملكيا متحمسا -- دور الامبراطورية ونالا فيه وظائف وألقابا لأصبحا كخصومهما من المحافظين المتأججين. 6 -- الحرص .

إن المشاعر الثابتة الموصوفة بالحرص هي أيضا مصدر الآراء والمعتقدات والحركة ، و بما أن بعض أنواع الحرص تنتقل بالعدوى فانه يسهل عليها أن تتسرب في الجموع حيث تصبح ذات تأثير لا يُقاوَم ، وما أكثر المرات التي تدهورت فيها بعض الأمم بفعل الحرص على البعض الآخر في غضون أجيال التاريخ .

وقد يحرك الحرص نشاط الانسان ، ولكنه في الغالب يفسد سداد الرأى ويمنع الانسان من أن يرى الأمور كما هي وأن يفهم صورة تكوينها ، وسبب كثرة الاغلاط في كتب التاريخ أن الحرص هو الذي أملى أنباءها

نرى مما تقدم أن الحرص ذو تأثير عظيم في آرائنا وفى تكوين الحوادث ، ومن دواعي الأسف أن أنواع الحرص ذات التأثير الكبير هي التي ليست محلاً للاعتناء والاعتبار ، فلقد حقق ( كانت ) ما لهذه الأنواع الرديئة من الشأن الاجتماعي العظيم حيث بين أن الخبث هو عامل كبير في رقيّ البشر، ويظهر أن الناس لو اتبعوا مبدأ الانجيل القائل « لِيُحِبَّ بعضكم بعضاً » بدلاً من أن يتبعوا مبدأ الطبيعة الذي يشير عليهم بأن يقتتلوا لظلوا عائشين في الكهوف .