صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/78

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-۷۸-

تتقاتل والغلبة في العراك تكون لأقواها ، فمتى تكون العلل المتقاتلة ذات قوى متكافئة فان الكنتين تهتزان وقتًا طويلا قبل أن تميل أحداهما إلى جنية وهنالك التردد والتذبذب في الأخلاق ، وعند ما تكون العلل المعتركة متفاوتة في قوتها فان احدى الكنتين تميل لتستقر وهنالك يبت الإنسان في سيره وحركته .

٣ – شأن الارادة في ميزان الملل

تقدر في الغالب على التصرف في عيارات الميزان النفسي بأن يزيدها أو نقلها فلا ريب في أن الأبطال ذوى الجرأة والأقدام الذين قطعوا جبال الألب وعبروا بحر المانش طائرين أول مرة في الهواء حذفوا من كفتى الميزان بعض المال العقلية التي قد تثبط عزائمهم في أمور خطرة كهذه لم يجرؤ أحد قبلهم على اقتحامها ا ذلك فان الارادة لا تكلف نفسها على الدوام أمر وضع العيارات في ميزان المال إذ ان عناصر الحياة العاطفية أو الدينية تقوم بهذا الأمر من تلقاء نفسها ، وذلك مثل ما يقع في أثناء بعض الحوادث الفجائية كقذف الرجل نفسه إلى الماء أيام الشتاء كى ينقذ شخصا مجهولاً ، فلو كان للتأمل عمل في الأمر لوازن بينه وبين عناصر العاطفة وغير ميل عقرب الميزان ، ومن يتضح لنا السبب في كون حوادث البطولة العظيمة الغريزية كثيرة مع أن حوادث البطولة الصغيرة اليومية المستمرة قليلة العدد كأن يحرم الإنسان نفسه ملاذ الحياة في سبيل قريبه المريض العاجز .

وعلى ما تقدم فان الارادة الشاعرة قد تؤثر في ميزان العلل ، ولكن إذا كانت هذه الارادة غير شعورية - كما في أمر المعتقد - فان عملها يكون لاغيًا ، حينئذٍ يجرى المنطق الديني حكمه مستقلاً عنا ، وعند الحاجة على رغم أنفنا او ضدنا .

وأما إزاء المنطق العاطفي وحده فقوتنا أكثر مقاومة ما هي إزاء المنطق الديني ، لأن المشاعر إذا لم تكن غاية في الشدة فان العقل يقدر على التصرف في بعض العيارات اى العلل ، ولا تأسف كثيراً على ضعفنا أمام الدفاعات المنطق العاطفي ، لان هذه الاندفاعات وإن كانت في الغالب ذات نتائج مضرة إلا أنها قد تأتى إحيانا بأعمال مفيدة للبشر .