صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/76

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-۷٦-

ذلك ، فمثل هذه الحوادث عنوان لأزمات تقع في خلق التدين المتين الذي لا تستطيع الأفراد والشعوب أن تتخلص من حكمه .

وتنشأ تقلبات التاريخ عما بين أنواع المنطق المختلفة من تصادم ، فمتى يتغلب المنطق الديني فانه يعقب ذلك حروب دينية وما تؤدى اليـه من قسوة متجبرة ، ومتى تهم الغلبة للمنطق العاطفي فاننا نشاهـد حسب الأحوال إما تأهبا للحرب وإمَّا بالعكس انتشاراً للمذهب الانساني أو مبداء السلم الذين لا يكونان أقل سفكا للدماء من حيث النتيجة ، ومتى يزعم المنطق العقلى أنه تدخل في حياة أمة فلا ينشأ ذلك انقلابات اخف من تلك ، إذ لا يكون العقل وقتشذ سوى لباس يستر تحته اندفاعات عاطفية أو دينية .

وظلت الجموع وزعماؤها كما أوضحت مشبعة مثل الأجداد من خلق التدين ، فقد ورث بعض الالفاظ والصيغ المؤثرة في الجماعات ما للآلهة القديمة التي عبدها الآباء من قدرة سحرية ، وهكذا بقى الأمل الوهمي في الجنَّات التي تخلب الألباب حيًا .

أساس خلق التدين ثابت ، ولكن أشكاله هي التي تتغير ، والمظهر العقلي الحاضر الشكل الأخير لذلك الخلق ، فباسم العقل النظرى بود رسل المعتقدات الحديثة تجديد المجتمعات والبشر ، و يسهل ايضاح ما يُسند الآن الى العقل من قوة قادرة على تحويل المجتمع ، فلما كانت مبتكرات العلوم التي هو سببها عظيمة الى الغاية فقد أصبح من الطبيعي ان يعد قادراً على تغيير المجتمعات ونشر السعادة بإساليبه المعهودة .

غير أن تقدم عـلم النفس أوجب اطلاعنا على أن المجتمعات لا تتطور بتأثير العقل بل بتأثير الدفاعات العاطفة وخلق التدين التي لا سلطان للعقل عليها ، وما على قادة الشعوب الآن أن يأتوا به من مجهود صعب فهو أن يؤلفوا بين اندفاعات أنواع المنطق التي تسيرهم وبين اندفاعات المنطق العقلي التي ترغب في أن تسيطر عليهم سيطرة تامة ، وقد أخذت انكلترا مع كونها مملكة التقاليد تعانى أمر ذلك العراك ، إذ صارت نظمها السياسية التي هي سر عظمتها عرضة لهجمات المبادىء العقلية التي تسعى الأحزاب المتطرفة أن تجدد بها بنيان البلاد الاجتماعي .