صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/74

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
– ٧٤ –

٢ – المبادىء الدينية والمبادىء العاطفية في حياة الأمم.

إن تأثير المنطق العقلي العظيم في تقدم العلوم وفي تطور حياة الأفراد أحيانًا هو ضعيف الى الغاية في حياة الأمم، ولكن لو نظرنا إلى ظواهر الأمور دون أن نكتشف عالمها الخفية والقينا السمع إلى ما في كتب التاريخ من قصص لرأينا خلاف ذلك ، ألم ياتجيىء المؤرخون في شروحهم إلى العقل ؟ أولا نشاهد أن الناس مجمعون تقريبا على أن سبب الثورة الفرنسوية هو ما جاء في كتب فلاسفة القرن الثامن عشر من المباحث وأن غاية تلك الثورة هي نصر مبادىء العقل ؟

لم يستشهد بالعقل كما استُشهد به في أثناء الثورة المذكورة حتى ان الناس أقاموا له تمثالاً في أيامها ، والواقع لم يكن ذا تأثير ضئيل مثله في ذلك الدور ، ستبدو لنا هذه الحقيقة عندما نتخلص من نير أفكارنا المنتقلة لنا عن الآباء فتقدر على تدوين كتاب يبحث عن روح الثورة الفرنسوية.

والمسير لتلك الثورة في جميع أطوارها حتى في بداءتها هو مبدأ عاطفي ، فالذي دفع أبناء الطبقات الوسطى – الذين هم أول من أثارها – الى إيقادها هو الشديد الذي كان يغلى في صدورهم ضد طبقة اعتقدوا أنهم مساوون لأبنائها ، لا شك في أن الشعب لم يطمع أول وهلة في بعض المناصب العالية التي كان لا أمل له في نيلها ، وعلى رغم هذا فقد استقبل نشوب الثورة الفرنسوية بحماسة ذلك لأن تحطيم الروادع الاجتماعية والوعود الخلابة التي وعدوه بها جعلته يرغب في المساواة بينه و بين سادته السابقين وفى ضبط أموالهم ، ولم يستهوه شيء من الشعار الثوري الذي نقش على النقود وعلى مقدم الابنية كما استهوته كلة « المساواة » التي استمر تأثيرها حتى يومنا ، فالناس لا يأخذون الآن كلة الاخاء على أفواههم نظراً لأن مبدأ تنازع الطبقات أصبح شعار الوقت الحاضر ، وأما مبدأ الحرية فان الجموع لم تفقه معناه في أي زمن وقد أنكرته على الدوام .

و إذا كانت الثورات تخلب الشعوب فذلك لأن المشاعر تتحرر بها من ربقة الزواجر التي أوجبتها مقتضيات الاجتماع ، وقد بينت في فصل سابق تأثير الزواجر