صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/73

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-۷۳-

والذي جعل ولاة الامور يمنحون تلك الهبات الدالة على نذالة فيهم هو إنكارهم

بضعة مبادىء نفسية يجب على جميع أولى الحل والعقد أن يعلموها كما علمها اولو الامر المتقدمون ، ومن بين هذه المبادىء نذكر واحداً أساسيا وهو : إن المجتمع يعيش بالمحافظة على الاعتقاد الموروث الذي يأمر باحترام القوانين القائم عليها بناء ذلك المجتمع احترامًا دينيًا .

وما في القوانين من قدرة تجعل الناس يحترمونها فأدبي معنوي ، إذ ليس في العالم قوة مادية قادرة على إلزام الناس احترام قانون يهتكون جميعهم ستره .

وإذا أراد شيطان شرير أن يقضى على مجتمع في بضعة أيام فما عليه إلا أن يغرَّ أفراده كي تمتنعوا عن إطاعة القوانين،حينئذ تكون البلية أعظم من غزو العدو واستيلائه، لأن الفاتح يكتفى على العموم بتبديل اسماء القابضين على زمام الأمور ، ومن مصلحته أن يحافظ باعتناء على العوامل الاجتماعية التي لها من تأثير شاف ما ليس للجيوش الجرارة ،

والسعي في تقويض معتقد الأمة في سبيل المحافظة على نفوذ القوانين هوا لثورة أدبية أشد خطراً من أية ثورة مادية ، فالمباني التي تخربها الثورة المادية إن أمكن تجديدها بسرعة فان تجديد روح الأمة يتطلب في الغالب قرونا طويلة ، وقد عانينا مثل ذلك الانحلال النفسي الأدبي في أجيال كثيرة من تاريخنا ، واليك ما جاء في كتاب ( هانوتو ) الذي بحث فيه عن ( جان دارك ) مشيراً الى الأمر المذكور :

« متى تزول سلسلة المراتب في الأمة ومتى تخسر القيادة نفوذها ومتى يتداعى حصن الحرمة ومتى ينقضَ البناء الاجتماعي ينفسح المجال لأعمال الفرد فكلٌ يسعى وقتئذ في إنماء عمله حسب نواميس الطبيعة على أنقاض الانظمة المنهدمة ذات الرطوبة».

وما علم أنصار البدع – الذين يحاربون التقاليد باسم التجدد والذين يحلمون بأن يقوضوا دعائم المجتمع ليقضوا على ما فيه من مال ونشب كما حلم ( آتيلا ) بأن ينهب روما - أن حياتهم عبارة عن نسيج حاكته الوراثة وأن لا بقاء بغيره ، ولا نجهل ماذا تؤدى اليه تجاربهم من تخريب ، إلا أنه يقتضى مكابدتها مرة أخرى ، لأن التجارب المكررة وحدها هي التي تثقف الناس ، وما الحقائق المبثوثة في الكتب سوى كلمات فارغة لا تنفذ روح الشعب الا إذا دعمتها النيران وقصف المدافع .