صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/71

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-۷۱-

٣ – تنازع المشاعر . العوامل الزاجرة

جميع من هم على الفطرة من همج وحيوان يميلون الى السير بغرائزهم ، ولكن متى عاش الهمج في قبيلة واصبح الحيوان داجنا فان الضرورة تلجئهم الى زجر بعض تلك الغرائز ، ولا يكون هذا الزجر الا يجعل بعض مشاعرهم القوية – كالخوف من العقاب والطمع في الأجر – تقاتل مشاعرهم الأخرى المندفعة ، والقدرة على قهر الاندفاعات العاطفية هي عنصر أساسي للحضارة ، فلولا هذا العنصر الذي هو ركن الاخلاق الركين لكانت الحياة الاجتماعية مستحيلة .

وليست العوامل الزاجرة التي تثبت العاداتُ وعلمُ الأخلاق والقوانينُ أمرها كناية عن عراك بين المشاعر والعقل بل هي كما بينتُ آنفًا عبارة عن صراع بين ما يتقابل من المشاعر بفعل العقل ، ولم يكن للقوانين المدنية او الدينية غاية سوى التأثير في مظاهر بعض المشاعر تأثيراً رادعاً

وكل حضارة تتضمن ضغطًا وقدراً ، فالفطرى عند ما تعلم بتأثير ناموس العقود الاجتماعية الأولى كيف يرد جماح اندفاعاته قليلا ً تحرر من طور الحيوانية ودخل في طور انسانی متأخر ، ولما أكره على ردع نفسه أكثر من ذي قبل دخل في طور الحضارة التي لا تقوم إلا يكبح الانسان نفسه .

ويتطلب الضغط المذكور سعيًا مستمراً ، ويتعـذر استمرار هذا السعي إذا لم يسهل أمره كأن يصير لا شعوريًا بفعل المادة التي ثَبَّتتها التربية ، ومتى أصبح الوازع النفسي على شيء من التقدم فانه يحل مكان الوازع الخارجي ، ولكن إذا لم يستطع الرجل أن يجعل لشخصه وازعًا نفسيًا فعليه أن يذعن للوازع الثاني ، فلو تجرد الانسان من هذين الوازعين لرجع الى طور الهمجية الأولى ، نعم ان المشاعر هي التي تقودنا غير أن المجتمعات لا تعيش إذا لم يتعلم أفرادها الحدود التي يجب على مشاعرهم أن تقف عندها والتي يؤدي تجاوزها الى الفوضى والانقراض .

ولا تقل ان المشاعر التي ردعتها مقتضيات الاجتماع المدونة في القوانين عفا أثرها ودرس رسمها ، فمتى تتفلت هذه المشاعر ذات الاندفاع من ربقة الزواجر تظهر من عالم الخفاء ، وهذا هو سر المظالم التي تقترف أيام الثورات حيث يصبح المتمدن متوحشاً