صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/69

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦٩-

فالكلمة أو الاشارة الواحدة التي لا أهمية لها عند صدورها تستطيع على مر الأيام أن تحول الصداقة الى ضدها .

وشأن العقل في المشاعر التي يتكون الخلق منها هو أن يفصلها بعضها عن بعض وأن يحركها بأحدى الصور النفسية وأن يجعلها على هـذا الوجه قادرة على كبح شيء من اندفاعاتنا ، وهو بذلك يرفع الرجل ولو موقتًا الى درجة أعلى من درجته .

اذًا يقدر العقل بتأليفه بين المشاعر والمعقولات أن ينتفع بالمشاعر انتفاع البناء بالحجارة التي يعرف أن يقيم بها نفسها مباني شتي ، وليس تأثير العقل في المشاعر لا حد له بل يظهر أنه محصور ، لأن الاختبار يدلنا على أن العقل يفقد سلطانه عند ما تكون المشاعر شديدة ، وقد تصل بعض المشاعر في قوتها الى حد لا يستطيع العقل وأكثر منافع المرء وضوحاً أن يؤثرا فيها ، وسنورد أمثلة كثيرة على هذا الأمر في فصل المعتقدات.

لا تتحول المشاعر مباشرة الى أفكار ولكنها تولد أفكاراً لا تلبث أن تستدعى مشاعر ، فكلا الطرفين مع محافظتهما على استقلالهما يؤثر أحدهما في الآخر تأثيراً متواليًا ، وعلى ذلك فان الافكار ذات تأثير لا يسعنا انكاره في حياتنا الفردية والاجتماعية ، وهذا التأثير لا يتم أمره الا اذا استندت الافكار الى دعائم عاطفية .

ولا كانت المشاعر مصدراً للافكار فان ما يتبع بين الافكار من عرا بالحقيقة يقع بين المشاعر ، والشعوب التي يظهر أنها تتقاتل من أجل بعض الافكار هي تتقاتل في الواقع من أجل بعض المشاعر التي تشتق منها تلك الافكار .

وتفقد أحوال الانسان العاطفية قوتها لا ذاتها إذا لم تسمح له الفرص باظهارها كما تفقد الاعضاء قوتها لعدم تمرينها ، على هذه الصورة توارت في انكلترا وفرنسا صفات الاشراف الخلقية التي كانت ضرورية للقيام ببعض الوظائف عند ما ألغيت هذه الوظائف ، وإذ لم تتم تلك الطبقات التي خسرت صفاتها الخاتمية ذكاءها أصبحت دون ما كانت سائدة له طبقات أخرى ، ويظهر أن هـذا الناموس الذي يجهله مر بونا كثيراً والقائل ان المشاعر التي لم تتمرن تنفصم الناموس عام ، فتاريخ الامم حافل