مسكن إلى آخر ، واذا ذهب في الغالب ضحية الخطا فذلك لمحاولته أن يطبق في
تفسير مظاهر المنطق الديني أو العاطفي من معتقد وغيره تفسيراً علميا مناهج النطاق العقلى .
ومتى ينقطع التوازن بين أنواع المنطق فانها تعترك ، ويندر أن يغلب المنطق العقلي في ذلك العراك ، إذ يسهل التنكيل به واستعباده من قبل بعض المبادىء الصبيانية ، وهذا هو السبب في كون الدليل العقلي لا ينفع في أمر المعتقد دينيا كان أم سياسيا أم اخلاقيا ، ولا تفعل اقامة الحجة العقلية على رأى مصدره العاطفة أو التدين سوى استفزاز رب الرأى المذكور وتهييجه ، وكذلك المرء لا يستطيع بعقله أن يتغلب على رأى فيه ناشيء عن المشاعر والعقيدة الا اذا بلغ هذا الرأي من البلى والدروس مبلغا ذهب بقوته .
ولا تتجلى لنا نتائج العراك بين المنطق الديني والمنطق العقلي الا بالمثـل الذي ضربه ( باسكال ) وفحصناه تفصيلاً في فصل آخر ، فمن العبث أن نطنب الآن فيها وسنقتصر في ما يلي على البحث في تصادم المنطق العاطفي والمنطق العقلى - فأيضا هذان الطرفان ليسا متكافئين قوة ، وانما يستطيع العقل في أثناء ذلك التصادم أن يسلط بعض المشاعر على الأخرى متذرعا بأنواع الحيل كي يتمكن من التغلب على التي يود قهرها .
٢ – التصادم بين المبادىء العاطفية والمبادىء العقلية . تأثير الافكار في المشاعر
تؤثر المشاعر التي تقود الانسان في أفكاره كثيراً مع أن هذه لا تؤثر في تلك الا قليلاً ، وليس الفكر سوى نتيجة أحد المشاعر التي تطورت تطوراً غير شعوری مجهول لدينا .
وعلة كون العقل لا يؤثر في المشاعر هي أن حياة المشاعر خافية علينا ، واذا أردنا أن نعرف درجة تطور مشاعرنا على وجه لا تأثير لارادتنا فيه فلننعم النظر في أنفسنا ، حينئذ نرى أنها تنبت نباتًًا رَيِّثا متباطئا كالنبات الذي أجاد في وصفهِ الشاعر الفيلسوف ( سوللی برودوم ) في قصيدته المشهورة التي عنوانها « الاناء الكسير » .