صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/65

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦٥-

ولما رأى العلماء أنهُ لا شريك للعلم في سيطرته على دائرة المعرفة ظنوا منذ أمد بعيد أن المنطق العقلي الذي هو مصدر العلم ينفع لايضاح تكوين المعتقدات وتطورها، وقد استمر علم النفس على هذا الضلال قروناً عديدة ، الا أنه الآن على وشك الخروج من ضلاله ، فقد دل الاختبار على أن الموجودات تتحرك ونسير قبل أن تعقل وتدرك ، ولذلك فهي مقودة في أعمالها بأنواع منطقية أخرى ، وكلما أ..نا في هذه الحقيقة التي أرجع اليها في الغالب لحداثة ظهورها نرى أن شأن المنطق العقلى ثانوي في حياة الأفراد والأهم .

لم يكن التعقل والإدراك أمرين ضرور بين السير والحركة ، فأدنى الحشرات نسير كما يقتضى من غير أن تهتم بمنطقنا ، والعقل والادراك هما فاعلان في الموجودات مستقلان عن فاعل السير ، وكثيراً ما يزجران هذا الفاعل عن العمل بدلالتهما على أخطاره .

و بفضل ما في الناس من اندفاعات عاطفية ودينية يسيرون غير مطلعين على كيفية تكوين أعمالهم ، ومن العبث أن نؤثر فيهم بقوة الدليل العقلى ، إذ إنهم لما فيهم من إدراك قليل يسخرون من كل من ليس على طريقهم ، وما مثل الذي يحاول أن يدخل الى قلوبهم شيئا من الأفكار العقلية الاكمثل الطفل الذي يسعى في إدخال عضو كبير في قمع الخياط ، فعلى من يود أن يلزم الأفراد والشعوب بعض الحقائق العقلية أن يزن قبل ذلك كفاءتهم الدماغية .

وشأن المنطق العقلى في سياسة الشعوب ضئيل جداً ، ولا يتجلى هذا الشأن الا في الخطب ، فالمشاعر لا العقل هي التي تسير الأمم وتقيمها وتقعدها ، وسوف نرى في باب آخر أن المنطق العاطفي هو الذي يخرج على الدوام ظافراً في الصراع بينـه مسحة و بين المنطق العقلى . قال ريبو : «القول إن الفكر المجرد الجاف الساري من عاطفة كالقضية الهندسية ذو تأثير في سير الناس هو زعم نفسي عقيم باطل . » فالوقت الذي تستولى فيه براهين الفلسفة على العالم لا يزال بعيدا، وانما المعتقدات التي يستخف بها المنطق العقلى هي التي قلبت العالم مرات كثيرة دون أن يقدر هذا المنطلق على مقاومتها

( ٥ ) — الآراء