صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/64

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦٤-

ولكننا بفضل دقتنا لا ندرك الاشياء الا بنسبة احتياجنا في أحد المواضيع .

ويتصف الحيوان بالدقة أيضا ، واسكن دقته غير ارادية مع أنها قد تكون في الانسان ارادية ، وينشأ عن نمو الدقة في الرجل زيادة في قدرته العقلية ، وعلى نسبة الدقة في المرء يعظم عقله ، فلولا دقة ( نيوطن ) العظيمة لما ذاع صيت ( نيوطن ) واذا تجلت عبقرية هذا الرجل بغتة فذلك بعد دقة صابرة وتأمل مديد.

التأمل - التأمل يورث التنقل في الانسان ، وهو عبارة عن قدرة الانسان على أن يستحضر – مستعينا بفعل الدقة – الصور النفسية المشتقة ، الاحساسات أو الألفاظ التي تنم على تلك الصور ، حينئذ يمكن مزجها والمقايسة بينها واستخلاص احكام منها ، وبالطريقة المذكورة لا نعلم الأشياء ذاتها بل نقف على ما بين هذه الاشياء من علائق ، الامر الذي هو غاية ما يسمى اليه العلم ، وقابلية التأمل تتضمن قابلية الدقة فضف هذه يستلزم ضعف تلك ، و بالتأمل يتعقل الانسان كما ينبغي بشرط أن لا يتدخل المنطق العاطفى والمنطق الديني في الامر ، فمتى يتناول المعتقد المواضيع التي يراد تعقلها فان التأمل يخسر ما فيه من استعداد للنقد

٢ – شأن المنطق العقلي


العمل الأساسي للمنطق العقلي هو أن يؤلف هذا المنطق — مستعيناً بالتأمل وبالطريقة المشروحة آنفاً — بين الصور النفسية أو الكلمات التي تعبر عنها وقد عُدَّ أساس معتقداتنا زمناً طويلاً مع أننا نرى أنه لم يكن سبب أي معتقد منها، وانا الشأن الذي قد يكون له هو أنه يُتمُّ زعزعة المعتقدات بعد أن يكون الدهر قد أكَلَّ قواها ، وعلى ما للمنطق العقلى من شأن هو كالمعدوم في تكوين المعتقد فانه ذو شأن كبير في تأليف المعرفة ، فهو الذي أقام صرح العلوم واليه تستند الصناعات الحديثة في تقدمها.

إذاً لا يجوز لنا أن نبالغ في بيان قدرته ، ولكن يجب أن نعلم الحدود التي لم يتجاوزها بعد ، فهو ليس ذا سلطان على حوادث الحيـاة والخواطر ، ولم يضىء من هذه الحوادث ذات الجرى والانصباب سوى شيء قليل مشكوك فيه ، وقد انحصرت دائرة عمله في المادة التي استقرت موقتا بفعل الموت أو الوقت .