صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/66

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦٦-

٣ – ظهور المنطق العقلى متأخراً بفعل الانسان عند الطبيعة .

أشرت سابقا الى أن المنطق العقلي هو آخر أنواع المنطق ظهوراً وأن هذه الأنواع كفت لقيادة الموجودات والأجيال الجيولوجية حتى الوقت الحاضر على وجه التقريب ·

ليس المنطق العقلى من عمل الطبيعة بل من عمل الانسان ضد الطبيعة ، فلايجاد الانسان ذكاءه وعقله في شخصه قد أخذ بالتدريج يعانى قوى السكون أقل من ذي قبل ويستعيد هذه القوى كل يوم ، ومن كان في ريب من كون الانسان لا الطبيعة موجد المنطق العقلي فليلاحظ أن ما يبذله من مجهود فلمقاتلة حوادث الطبيعة على الخصوص .

والطبيعة لا تبالى بمصير الفرد أبداً ، وانما تعتني ببقاء النوع ، فجميع الموجودات أشد المكروبات إيذاء هو كالعناية من همة في المحافظة على عندها سواء ، وما تبذله التي تبذلها للمحافظة على أكثر الناس عبقرية ، فبالمنطق العقلي الذي اكتسبناه استطعنا أن نكافح سنن الكون الجائرة وكثيراً ما تم لنا النصر في هذا الكفاح ، وقد انحصرت معاناتنا لتلك السنن في الأمور التي توقفت معرفتنا عند حدها ، فاليوم الذي نكتته فيه منطق الحياة والمنطق العاطفي اليوم الذي نتغلب فيه على هذين المنطقين ، وحينئذ يملك الانسان ما يعزوه الى آلهته القديمة .من قدرة وسلطان .

والعلم لا يزال بعيداً من تحقيق تلك الأمنية ، فمع دنوه كل يوم من قدرة الطبيعة على معاناة هذه القدرة بلاءمتها ، ولربما كانت هذه القدرة الكبيرة أعظم مما يظنه العلم ، فنحن نخضع لحكم الطبيعة ، ولكن ألا تخضع الطبيعة نفسها لوجوب ينظم القدر وتذعن له الآلهة ؟ لم تكن الفلسفة من الرقي بحيث تجيب عن هذا السؤال .