صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/61

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦١-

بالتدريج وتنحصر في بضعة مواضيع يؤمن بها الرجل المتمدن ايمان الرجل الفطاري أي ايمانًا لا تزعزعه الأدلة والبراهين العالمية ، وبهذا الامر المشاهد ندرك السبب في تسليم بعض أفاضل العلماء بعقائد صادرة عن السحر والتنجيم.

ولا ريب في أن مبتكرات العقل تعجز عن زلزلة خلق التدين لالتجاء هذا الخلق على الدوام بعالم الآخرة الذي يتعذر على العلم أن يقتحمه ، وإذا كان عدد الذين يرغبون في الآخرة عظاماً إلى الغاية .

۲ – خلق التدين أساس المعتقدات

خلق التدين هوالبقعة التي تنبت فيها المعتقدات الدينية والسياسية وغيرها، وتشاهد نتائج هذا الخلق على الخصوص عند الهمج ، فلما كان لا علم لهؤلاء بسنن الكون فانهم يعيشون في عالم مفعم بالأرواح التي تجب قراءة العزائم عليها بدون انقطاع، ويتوهمون على الدوام أنه يوجد خلف كل حقيقة ظاهرة قدرة خفية تسببها ، وأما الرجل المتمدن فذو معتقدات أرقى من تلك ، لأنه مشبع بتأثير التربية من المبدإ القائل بوجود نواميس ضرورية في عالم الطبيعة لا يستطيع ان ينكرها ، الا أنه يعتقد أنه بصلواته يتمكن من جعل قوى ما بعد الطبيعة توقف عمل تلك النواميس ، فعلى هذا الوجه يجتمع المنطق الديني والمنطق العقلى أحيانًا في نفس واحد من غير أن يؤثر أحدها في الآخر .

وما في المؤمن الحقيقي من سرعة التصديق فلا حد له بوجه عام ،وأعظام المعجزات لا تلقى في قلبه حيرة ، إذ لا نهاية لا يعزوه الى الله من قدرة.

يُرى في كنيسة ( أوڤيدو ) صندوق يقول الاعلان الذي وُزّع على زائريها انه جيىء به بغتة من مدينة القدس بواسطة الرياح وانه يحتوى على « لبن من لبن أم يسوع المسيح وشعرات مسحت بها القديسة هيلانة رجلي مُخلِّصِ العالم والعصا التي فلق بها موسى البحر الأحمر وجفير القديس بطرس الخ » فهذه الوثيقة التي هي واحدة من ألوف من الوثائق المتماثلة تثبت لنا كيف أن العقيدة الدينية شديدة التأثير ، ونعد من نوع الوثيقة المذكورة بقية جسد أحد القديسين الموضوعة في صندوق ذهب محفوظ في احدى الكنائس العظيمة وحبل المصلوب ، فعلينا أن ننظر الى تلك الوثائق بعين