صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/60

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٦٠-

ويقوم في المنطق الديني مقام العلل الطبيعية - التي سلم بها المنطق العقلى - عزائم موجودات أو قوى علوية تجب خشيتها ومداراتها لأنها ذات أهواء وتأثير في جميع أفعالنا ، وتشاهد قوة المنطق الديني على الخصوص عنـد أولى النفوس التي أصيب في تسميتها بالنفوس الدينية ، فالنفسية الدينية تتجلى في الشخص باسناده قدرة سحرية لا تأثير للعقل فيها الى وجود أو شيء معين أو قوة مجهولة ، وتختلف نتائج هذه النفسية بحسب النفوس ، فهي عند بعضهم دعامة لمعتقدات دينية معلومة تتراءى لهم أنها صادرة عن شيء يقال له ألوهيات ، والقوى العلوية هي عند

عند آخرين أمر مبهم ولكنها ذات سلطان وقدرة ، وحينئذ تبدو روح التدين في هؤلاء على شكل احدى الخرافات أو الاساطير ولذلك نقول أن الملحد متدين كالتقى الورع وفي الغالب يكون أشد تدينًا منه.

يستدل على الروح الدينية في الانسان بعزوه الى تميمة أو تعويذة أو عدد أو ماء أو حج أو ذخيرة خصائص خارقة للمادة ، ويستدل عليها أيضاً بأسناده إلى الانظمة السياسية أو الاجتماعية قوة قادرة على تحويل الرجال ، وخلق التدين وإن كان على الدوام يتبدل شكلاً الا أنه لا يغير شيئًا من جوهره الذي ينسب به شأنًا عظيما إلى بعض القوى الحافلة بالاسرار ، فاذا تغير موضوع التدين بفعل الزمان فلان خلق التدين لا يتبدل أبداً .

ولا يبالى خلق التدين بالنقد مهما يكن صائبًا ، ولذا يورث في النفس سذاجة لاحد لها ، فالذين يلقبون أنفسهم بأحرار الفكر لنبذهم قواعد الدين يعتقدون الشعور بالأمور قبل وقوعها أو يعتقدون الفؤول والطوالع أو يعتقدون ما في حبل المصلوب من قدرة سحرية أو يعتقدون شؤم العدد الثالث عشر ، فالعالم في نظرهم يشتمل على كثير من الاشياء التي تحمل معها سعادة أو شقاء ، وليس بين الناس مقامر لا يؤمن بهذا المبدا ايمانًا قاطعًا .

ولما كان ايمان المعتقد لا نهاية له فان المستحيلات العقلية لا تؤثر فيه ولا يخرق العقل والتجربة والاختيار حجابه أبداً ، وكذلك حبوط الآمال لا يضعضعه لجهله المرء يعتقد أن القوى الخارقة ذات الاهواء والأغراض لا تسير حسب ناموس معين ، وكلما تقدم الانسان في سلم الحضارة تتحدد روح التدين العامة عند الهمج