صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/58

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٥٨-


ومن حسن الحفل كون المنطق العاطفى لا يديرنا على الدوام، فسوف نرى أن المنطق العقلى يقدر أحيانًا على زجر اندفاعاته، إلا أن هذا الزجر لا يتم بسهولة، لأن المنطق العقلى لا يزال ضعيفًا على رغم نموه بتعاقب القرون، ومع ذلك فإن الطريق الطويلة التي قطعها المنطق العقلى تبدو لنا عند البحث عن الهمج الذين استحوذت عليهم المشاعر الخالصة، إذ تسير هؤلاء الفطريين الذين ليس للمنطق العقلى سلطان عليهم اندفاعاتهم، فمتى يعضهم الجوع يتدهورون على فريستهم، ومتى يحقدون على عدوهم ينقضون عليه كالوحوش، هكذا كان يعيش رجال القرون الخالية الذين عندهم فلاسفة الثورة الفرنسية نماذج يقُتدى بها.

٢ –منطق الجموع

المنطق العاطفى هو إحدى الدعائم التى يستند اليها منطق المجموع ، ولا نبحث ، فسندرسه في فصل آراء الجموع ومعتقداتها ، وإنما تنبه هنا إلى أنه لا يمكن خاط المنطاق العاطفي بمنطق الجموع الذي لا يتجلى الا في الجماعات والذي قد يؤدي الى أفعال تناقض التي تصدر عن المنطق العاطفى ، وسوف نری أنه يتألف من روح الجموع مرکب خاص لا يعرف المستحيل ولا التبهر وتكون المشاعر فيه مفرطة وفيه يبطل عمل المنطق العقلى .

بيَّنا فى هذا الفصل أن المنطق العاطفى - مع المنطق الدينى الذي سنبحث عنه الآن - هو مصدر الحركة فينا ، فالحركة لا تكون الا بالحس ، ومتى نحس يبرز حكم المنطق المذكور ، حقًا لقد سيطر هذا المنطق على جميع الأجيال ، وما تخلص الإنسان قليلاً من ربقته الا فى دور قريب ، فالساعة التي يهيمن فيها المنطق العقلى على المنطق العاطفى بدلاً من أن يهيمن هذا على ذلك لم تدق بعد .