صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/57

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٥٧-


أخرى لا تلبث أن تمتزج بها، فلألم يوجب الغم والحب يورث السرور والغضب يولد الميل إلى الإنتقام الخ.

ولكون قواعد المنطق العقلى مادية فانها تطبق على صورة واحدة من قبل جميع الرجال الذين بلغوا شأواً من الرقى، وهذا هو سبب اتفاق هؤلاء الرجال على جميع المواضيع العلمية، وأما المنطق العاطفى فانه بالعكس يختلف باختلاف الناس، إذ الناس متباينون فى مشاعرهم ، ولذا تعذر الاتفاق على جميع المسائل التي تمس المشاعر كالمعتقدات الدينية والأخلاقية والسياسية الخ.

ولما كانت قواعد المنطق العاطفى غير عامة كقواعد المنطق العقلى فان الرسالة التى تؤلف فى منطق أحد الناس العاطفى لا تطبق الباقين، وأما رسالة المنطق العقلى فانها ثابتة تشمل الناس قاطبة.

تبين من الملاحظات السابقة أن الأمور الواحدة تختلف بحكم الضرورة عند النظر اليها من خلال المنطق العقلى أو المنطق العاطفى، فمن الخطا أن نحكم بالعقل حوادث أملاها منطق المشاعر.

وعلى رغم قلة اطلاعنا على سنن المنطق العاطفى فان الاستقراء يدلنا على بضع قواعد يستعملها أعظم الخطباء فى أغلب الأوقات، فبدلاً من أن يقضى أولئك الخطباء أوقاتهم فى تنظيم الأدلة وتنميق البراهين التى هى إن أقنعت لا تؤثر فى السامعين فانهم يحركون بالتدريج ساكن هؤلاء السامعين بضروب المؤثرات التى يتفنون فى تنويعها لعلمهم أن ما يوجبه أحد المحرضات من تأثير لا يلبث أن يهن و ينفد، وهم باستدراج لبق وکلمات ساحرة وصوت عذب يكونون جواً عاطفياً ملائماً لقبول استنتاجاتهم.

والمشاعر لأنها العامل الحقيقى فى أفعالنا فمن الطبيعى أن يقودنا منطقها، إذ الناس متى هاجت عواطفهم يغيرون سيرهم ومتي كُسبت قلوبهم يُغلبون على أمرهم، وأما استفادة الخطيب من المنطق العقلى فهى أنه يرسم به خططاً يرتب بها خطبه.

والمبادىء العاطفية تؤثر فى الصورة التي نتصور بها العالم، وهى أساس أفكارنا الخلقية والدينية والسياسية والاجتماعية، وكذلك الحقائق العامية فان نظرياتها مشبعة من تلک المیادىء