صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/56

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
صُححّت هذه الصفحة، لكنها تحتاج إلى التّحقّق.
-٥٦-

٢ –مقايسة بين المنطق العاطفى والمنطق العقلى

تبدو أوصاف المنطق العقلى والمنطق العاطفى بالمقايسة بينهما، فالمنطق العقلى يدير دائرة الشعور، وأما المنطق العاطفى فانه مستولٍ على دائرة اللاشعور، و ما أن سلسلة النطق العاطفى لاشعورية فاننا لا ندرك تطور مشاعرنا الا قليلاً، فنحن تقود حياتنا العقلية ، ولكن لا سلطان لنا على حياتنا العاطفية.

والمنطق العاطفى والمنطق العقلی کالاهما من الاختلاف بحيث يتعذر إيجاد مقياس مشترك بينهما، ولذلك يستحيل أن نعبر عن المشاعر بكلمات مصدرها العقل، وليس المنطق العقلى يستطيع أن يفهم أو يفسر أو يزن ما يمليه منطق المشاعر من أعمال ، وأما الكلمات التي تحاول أن نشرح المشاعر بها فانها توضح هذه المشاعر ايضاحًا رديئًا، وإذا تَمْكَّنَتْ من ذلك قليلاُ فيسب ناموس الاشتراك النفسى، فمن تعود ربط المشاعر ببعض الألفاظ نتذكر عند خروج تلك الألفاظ بعض هواجس نفسية عاطفية، والموسيقى التي هى لسان المشاعر الصادق تذكرنا بالمشاعر أحسن ممَّا تذكرنا بها الألفاظ والكلمات، ولكن نظرًا لخلوها من الضبط فانها لا تكون واسطة ارتباط بين مشاعر الناس الاعلى وجه مبهم.

ويجهل المنطق العاطفى المنطق العقلى، ولذلك يبتُّ فى الأمور قبل أن يتم الثانى تفكيره، فهو لا يبالى كالمنطق العقلى بالمعقولات والتناقضات والأصول والمبادىء.

ويستند المنطق العتلى الى مبادی، بادية مستنبطة من التجربة والاختبار، فالحوادث الصريحة المجردة التى يسهل قياسها هى قوام تلك المبادىء، وأما المنطق العاطفى فلا دعامة له سوی مبادیء معنوية أدبية يتعذر قياسها وتقديرها على وجه الضبط والصحة، وهذا هو السر في كون هواجس النفس الشعورية الصادرة عن المنطق العاطفى تظل مبهمة غير صريحة على الدوام.

وتشترك الأفكار فى المنطق العقلى حسب قواعد عامة معلومة، وأما المشاعر فى المنطق العاطفى فانها تجتمع فى الغالب على شكل غير إرادی و بمقتضی نظام دقيق لم تعلم منه سوى شيء يسير. وفضلاً عن ذلك نقول إن بعض المشاعر تولد مشاعر