صفحة:الآراء والمعتقدات (1926) - غوستاف لوبون.pdf/159

من ويكي مصدر، المكتبة الحرة
تحتاج هذه الصفحة إلى تصحيح.

- 159 - ما حدث في الأزمنة التي انقرضت فيها الوثنية من الحادثات ذات الشأن العظام واليوم نمر من جيل تتجاذب الشعوب فيه آلهتها القديمة والآلهة التي لم يتم تكوينها بعد ، ولذا كان زماننا من أدوار المعتقدات الخطرة ، والروح الشعبية لبينها تعتنق دينا كبيراً ثابتا تتراوح الآن بين معتقدات هي على شيء من القوة مع كونها موقتة ، اذ تدافع عنها جموع ولجان وأحزاب كثيرة ، والدليل على تلك القوة ما لأندية الثورة الفرنسوية والجمعيات الماسونية من التأثير في أبناء الطبقات الوسطى وما للنقابات الشأن في صنوف العمال وما لاجان الانتخابات من النفوذ في المدن من ا ۲ – تحول المعتقدات الدينية الى معتقدات سياسية . يظهر أن الجيل الحاضر قد غير مقاييس القيمة ، والحقيقة هي أنه بدل اسماءها على الخصوص ، ويشكو أنصار العبادات الشائخة ضعف ايمان الأجيال الحديثة ، مع أن الجموع لم تظهر احتياجها الى الإعتقاد كما تظهره اليوم ، فالايمان الديني بتحوله الى ايمان سياسي لم يتبدل منه سوى شيء قليل ، وما القدرة التي نعزوها الآن الى الحكومة الا من نوع القدرة التي كنا نعزوها إلى الآلهة . هو من عمل الايمان ، وتطبيق هذا العمل على موجود عال أو ألوهية يعبر عن احتياج الانسان الى الخضوع والعبادة ، فالمؤمن يميل بطبيعته الى تأليه الشيء بالعبادة ، ومن ذلك أن (مارا ) الذي كان يجب أن تقذف جيفته في بالوعة المرحاض لم يلبث بث أن أله بعد قتله ووضعت أوراد لتقديسه ، وقد كان ( نابليون ) الها إن المعتقد قاهراً لا يغلبه أحد في نظر جنوده . ولا يكون المعتقد شعبيا إلا إذا دل على موجودات أو أشياء تجب عبادتها ، تجلى هذا الأمر أيام الثورة الفرنسوية حين فكر رجالها عند ما نشبت في إيجاد آلهة تحل مكان الآلهة السابقة فأقاموا في كنيسة ( نوتردام ) عبادة لالاهة العقل تماثل العبادة التي سار عليها الناس منذ قرون عديدة . ولا ندرك حقيقة تلك الثورة الا إذا اطلعنا على ما لتدين الشعب وزعمائه من الشأن الكبير في سيرها ، فقد كان ( روبسبير ) الذي هو عنوان نفسية زمانه الدينية